سيناريو قطع الكهرباء في مصر.. دراسة تكشف تناقضات الأرقام قبل صيف 2025
كان صيف العامين الماضيين صعبًا على قطاع الكهرباء في مصر، وتجلّى ذلك بوضوح في 2024، بسبب أزمة نقص الغاز الذي يمثّل أكثر من نصف مزيج توليد التيار، ما تسبَّب في انقطاع الكهرباء لساعات طويلة قبل التوقف بنهاية العام، فماذا عن صيف 2025؟
رغم التأكيدات الرسمية بشأن الاستعداد المبكر وعدم تكرار أزمة انقطاع الكهرباء، حذّرت دراسة حديثة -حصلت عليها حصريًا وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)- من تفاوت التقديرات الحكومية لاحتياجات الأشهر المقبلة من الوقود، ما يؤثّر بدوره في خطط الاستعداد المُعلَن.
ورغم تطبيق الحكومة خلال صيف العام الماضي خطة عاجلة بقيمة 1.18 مليار دولار، متضمنةً وعودًا بإنهاء سياسة تخفيف الأحمال في الأسبوع الثالث من يوليو/تموز 2024، استمرت الانقطاعات في العديد من المناطق حتى نهاية العام.
وهو ما عدّته الدراسة بأنه دليل على الفجوة بين التقديرات الحكومية والواقع الفعلي وعدم الاستعداد المبكر للأزمة، محذّرةً من تكرار انقطاع الكهرباء في مصر خلال صيف 2025، جراء نقص إمدادات الغاز والتحديات التمويلية المستمرة.
احتياجات صيف مصر 2025
سجّل إنتاج مصر من الغاز معدل تراجع مركب بلغ 11.4% في آخر 5 سنوات، ليهبط إلى أقل مستوى في 8 سنوات عند 49.37 مليار متر مكعب (4.7 مليار قدم مكعبة يوميًا).
وأمام ذلك، رجّحت الدراسة -الصادرة عن مركز العدل لدراسات السياسات العامة، التابع لحزب العدل- أن يحقق إنتاج مصر من الغاز والنفط نموًا بعد عامين، مع الاكتشافات الأخيرة التي تدفع نحو توقعات أكثر إيجابية، ويصل الإنتاج المتوقع للاكتشافات الجديدة في 5 حقول إلى 1.35 مليار قدم مكعبة يوميًا.
ورغم أن التقديرات الحكومية تؤكد التوازن بين العرض والطلب خلال صيف 2025، إذ يحتاج قطاع الكهرباء في مصر مع القطاع الصناعي إلى 7.55 مليار قدم مكعبة يوميًا من الغاز، وهي الكمية نفسها المتاحة للطلب، سواء من الحقول أو الغاز المستورد، فإن الدراسة عدّتها تقديرات غير واقعية.
وبرهنت على ذلك دراسة مركز العدل، الذي يشرف عليه الخبير الاقتصادي والبرلماني السابق الدكتور محمد فؤاد، بأنه مع اقتراب انقضاء الربع الأول من العام الجاري، اتضح أن التقديرات الرسمية جاءت غير مطابقة للواقع، مع وجود تناقضات في خطط الإنتاج وتراجعه، وهو ما أدى إلى تفاوت في تقديرات سدّ الطلب الفعلي على الغاز.
وحذّرت الدراسة من أن عدم ظهور نتائج مبدئية عن إمدادات الآبار الجديدة، يعني أن الإنتاج المحلي سيكون عند 4.1 مليار قدم مكعبة يوميًا، بدلًا من 4.4 مليار قدم مكعبة التي تتوقعها الحكومة.
وهو ما يتسبب في وجود عجز يتطلب معه استيراد 3 شحنات غاز مسال إضافية شهريًا، وعندها ستضطر الحكومة الحصول عليها من السوق الفورية بسعر أعلى.
وفي الوقت نفسه، تحتاج مصر إلى سفينة تغويز أخرى خلال أبريل/نيسان المقبل، لإعادة الكمية المستوردة من الغاز المسال إلى طبيعتها، إذ توجد سفينة واحدة فقط في العين السخنة.
وألمحت الدراسة -التي حصلت عليها وحدة أبحاث الطاقة- إلى أن هناك مفاوضات لاستئجار 6 سفن تغويز من ألمانيا وأميركا وتركيا وقبرص، ولكن من المرجّح أن المفاوضات لن تسفر عن تأمين أيّ وحدة عائمة أخرى قبل مايو/أيار المقبل.
ماذا عن تقديرات أسعار الغاز والشحنات؟
في الوقت نفسه، دعت الدراسة إلى إعادة النظر من جانب الحكومة لفرضية تسعير الغاز المسال المستورد من الخارج في ضوء التوقعات العالمية للسعر، التي تتراوح ما بين 13 و18 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، ما لم تكن هناك عقود تحوّط.
وبنت وزارة البترول المصرية فرضية تسعير الغاز المسال عند 13.55 دولارًا للمليون وحدة حرارية بريطانية، وغاز الأنابيب عند سعر 7.55 دولارًا، ويعني ذلك احتمال تكبُّد الحكومة تكلفة أعلى من تقديراتها مقارنة بالأسعار الحالية في السوق العالمية، ويفتح الباب لإمكان قطع الكهرباء في مصر خلال الصيف، ما لم يتوفر التمويل اللازم.
وطالبت الدراسة بمراجعة سعر الغاز المستورد عبر الأنابيب من إسرائيل، خصوصًا مع مطالبة داخلية في تل أبيب بخفض تصدير الغاز إلى مصر ورفع السعر، بالإضافة إلى انخفاض موسمي متوقَّع في صادرات الغاز الإسرائيلي بنسبة 8% خلال الصيف، بسبب ارتفاع الاستهلاك المحلي.
ويُظهر الرسم البياني التالي -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- تسجيل واردات مصر من الغاز الإسرائيلي أعلى معدّل لها عند 939 مليون متر مكعب، في يناير/كانون الثاني 2025:
وفي السياق ذاته، أثبتت التجربة الفعلية خلال شهر مارس/آذار الجاري أن تقديرات الحكومة بشأن عدد شحنات الغاز المسال التي تحتاج إليها مصر غير دقيقة.
وعلى سبيل المثال، جاءت توقعات وزارة البترول أن مصر بحاجة إلى 5 شحنات غاز مسال شهريًا، أي 60 شحنة سنويًا، وهو العدد الذي تعاقدت على شرائه، ومع ذلك أظهرت التجربة الفعلية خلال شهر مارس/آذار أن الكمية لم تكن كافية لتلبية الطلب حتى نصف الشهر.
وهو ما دفع الحكومة إلى التعاقد مع شركة بي بي البريطانية لشراء شحنات إضافية لتلبية الطلب، ولكنها حصلت عليها من خلال السوق الفورية، فكانت تكلفة الشراء أعلى بنسبة تصل إلى 15% على أقل تقدير من قيمة الشحنات السابق التعاقد عليها.
توقعات صيف مصر 2025
وضعت الدراسة أكثر من سيناريو عن التوقعات خلال صيف 2025 ومدى التداعيات المحتملة على إمدادات الكهرباء في مصر.
وعند الأخذ بالسيناريو المتوسط المُعلَن من الشركات المنتجة نفسها، من المتوقع أن يكون إنتاج الغاز في حدود 3.8 مليار قدم مكعبة يوميًا.
ويعادل ذلك 50% فقط من كمية استهلاك مصر من الغاز، المُقدَّرة من جانب وزارة البترول بنحو 7.55 مليار قدم مكعبة يوميًا.
ويوضح الرسم البياني -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- إنتاج مصر من الغاز شهريًا:
وعند الأخذ في الحسبان النقص المتوقع في الغاز المستورد عبر الأنابيب بنسبة 8 و10%، ستواجه مصر في صيف 2025 عجزًا بمقدار 2.85 مليار قدم مكعبة يوميًا.
ويعني ذلك أن البلاد ستحتاج إلى 4 سفن تغويز، وزيادة 25% في شحنات الغاز المسال المستوردة، وهو ما قد تضطر معه الحكومة إلى تخفيف أحمال الكهرباء في مصر.
وحذّرت الدراسة من أن أيّ قيود، سواء في الإنتاج المحلي أو الغاز المستورد، وعدم تشغيل 3 محطات تغويز بكامل طاقتها، سيؤدي لتخفيف أحمال يصل لحدّ أدنى 25% من القطاع الصناعي، أو 10% من القطاع المنزلي.
وحسب تقرير “مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية في 2024“، الصادر عن وحدة أبحاث الطاقة، استوردت مصر نحو 2.80 مليون طن من الغاز المسال خلال العام الماضي، وما يصل إلى 700 ألف طن في أول شهرين من 2025.
موضوعات متعلقة..
- نمو الطلب على الكهرباء في مصر قد يتسارع إلى 3% سنويًا
- قطاع الكهرباء في مصر يستهدف إضافة 3 غيغاواط سنويًا
- إنتاج مصر من الغاز الطبيعي يهبط 960 مليون متر مكعب
اقرأ أيضًا..
- خفض دعم الوقود في مصر 50%.. وزيادة مرتقبة بأسعار البنزين
- موعد تشغيل المرحلة الثانية من الربط الكهربائي بين الأردن والعراق
- مليون برميل نفط روسي جديدة تصل إلى سوريا.. ومصادر تكشف أين تذهب
- معدن الثوريوم ثروة نووية خفية.. ودولة عربية تسيطر على احتياطي كبير
المصادر:
إقرأ: سيناريو قطع الكهرباء في مصر.. دراسة تكشف تناقضات الأرقام قبل صيف 2025 على منصة الطاقة