Categories
Uncategorized

الهيدروجين الحيوي.. من الطحالب إلى الهيدروجين الأخضر

تستمر الأبحاث العلمية في مجال إنتاج الهيدروجين في التوسع، مع تزايد عدد الطرق المبتكرة التي تهدف لتلبية احتياجات الطاقة المستدامة. كل طريقة لها ما يميزها، لكنها جميعاً تشترك في هدف واحد: تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتوفير بدائل صديقة للبيئة. في هذه المقالة، نناقش طريقة جديدة نسبياً لإنتاج الهيدروجين الأخضر باستخدام الطحالب، وهي إحدى التقنيات الواعدة التي تتمتع بمزايا بيئية واقتصادية. تستند هذه الطريقة إلى آلية حيوية تشمل عمليات التحلل الحيوي والتخمير التي يتم من خلالها تحويل المواد العضوية إلى هيدروجين. سنتناول أيضاً مميزات هذه الطريقة التي تجعلها صديقة للبيئة، وجدواها الاقتصادية التي تجعلها منافسة للتقنيات المطبّقة تجارياً، بالإضافة إلى أبرز التحديات التي قد تواجه تطبيق هذه التقنية على نطاق واسع.

كيف تقوم الطحالب بإنتاج الهيدروجين الأخضر؟

تتم عملية إنتاج الهيدروجين من الطحالب (يمكن تسميته حينئذ بالهيدروجين الحيوي ) في مفاعلات حيوية من خلال طريقتين رئيسيتين: التحلل الحيوي والتخمير. في التحلل الحيوي، تعتمد الطحالب على عملية البناء الضوئي لتحليل الماء وإنتاج الهيدروجين باستخدام عامل مُحفّز يُدعى إنزيم الهيدروجيناز. إلا أن هذه العملية تواجه تحديات تتعلق بتأثير الأكسجين على نشاط الإنزيم، مما قد يقلل من كفاءتها. لتجاوز هذه العقبة، تم تطوير نهج التحلل الحيوي غير المباشر، حيث تقوم الطحالب أولاً بتخزين الكتلة الحيوية، ثم تُنتج الهيدروجين لاحقاً في بيئة لاهوائية، مما يحسن من كفاءة الإنتاج.

أما الطريقة الثانية وهي التخمير فتشتمل على مسارين اثنين وهما  التخمير المُظلم والتخمير الضوئي. التخمير المظلم يحدث في غياب الضوء، حيث تقوم الطحالب بتخمير المركبات العضوية مثل الكربوهيدرات، مما يؤدي إلى إنتاج الهيدروجين إلى جانب بعض المنتجات الثانوية مثل الأحماض العضوية. أما التخمير الضوئي، فيعتمد على بعض البكتيريا الأرجوانية غير الكبريتية، التي تستخدم الأحماض العضوية مع الضوء لإنتاج الهيدروجين عبر إنزيمات النيتروجيناز.

 ويسهم هذا التنوع في أساليب الإنتاج في تعزيز إمكانيات استخدام الطحالب كمصدر للهيدروجين الأخضر.

المسارات المحتملة لإنتاج الهيدروجين والوقود الحيوي  بواسطة الطحالب الدقيقة

صديقة للبيئة 

تتمتع طريقة  إنتاج الهيدروجين بواسطة الطحالب بعدة مزايا تجعلها خياراً واعداً في صناعة الهيدروجين الأخضر. أولاً، تعدّ هذه العملية نظيفة ومستدامة فهي لا تنتج غاز ثاني أكسيد الكربون بل على العكس تماماً، تمتلك هذه الطريقة بصمة كربونية سالبة، إذ أن الطحالب تمتص غاز ثاني أكسيد الكربون أثناء نموها في المفاعلات الحيوية.  

 نقطة إضافية لصالح هذه الطريقة تتمثل بأن بعض الطرق، مثل التخمير المظلم، يمكن للطحالب فيها أن تستفيد من الكائنات الحية الدقيقة الموجودة في المخلفات الزراعية الحيوية ، مما يتيح إمكانية دمج هذا النظام مع استراتيجيات إدارة النفايات العضوية، خاصة في التطبيقات الزراعية التجارية والصناعية.

وعدا عن إمكانية الاستفادة من مخلفات التطبيقات الزراعية، من العجيب معرفة أن للطحالب القدرة على النمو في الأوساط المائية المالحة أو حتى الملوثة من مياه الصرف الصحي أو المخلفات السائلة الصحية ، وهو عامل حاسم في تقليل الطلب على المياه العذبة والمساهمة  في إدارة عمليات التخلص من المياه الملوثة إلى جانب إنتاج الهيدروجين في الوقت ذاته. وهنا يمكن الإشارة إلى إمكانية  دمج أنظمة إنتاج الهيدروجين من الطحالب مع أنظمة أخرى مثل أنظمة الزراعة المائية، مما يسهم في تحقيق تكاملية بين مختلف القطاعات ويقلل من الكُلف التشغيلية. ولا تشترط هذه الطريقة توافر مساحات واسعة من الأراضي إذ يمكن زراعة الطحالب في مساحات صغيرة بالاعتماد على تقنيات الزراعة العمودية وهو ما يقلل من الأثر البيئي لهذه الطريقة. 

هل تعتبر مجدية من الناحية الاقتصادية ؟ 

على الرغم من أن هذه الطريقة ما زالت قيد البحث والتطوير، إلّا أنها تحمل فرصاً واعدة في المستقبل، فلو تكلمنا عن التكلفة المستوية لإنتاج الهيدروجين، فإن هذه الطريقة تتميز بتكلفة منخفضة نسبياً  مقارنةً بالطرق الأخرى لإنتاج الهيدروجين، حيث تبلغ تكلفة إنتاج الهيدروجين بطريقة التخمير المظلم 1.68−2.57 دولار/ كغ هيدروجين، في حين تتراوح هذه التكلفة لإنتاج الهيدروجين بواسطة المحللات الكهربائية .(4.15-10.30) دولار/ كغ هيدروجين. كما وتتفوق هذه الطريقة أيضاً من ناحية التكلفة على كثير من الطرق الأخرى  كالتحليل الحراري والتحليل الضوئي. 

التكلفة المستوية لطرق إنتاج الهيدروجين الأخضر

علاوة على ذلك، تُعتبر زراعة الطحالب عملية سريعة نسبياً، حيث يمكن حصادها خلال فترة قصيرة لا تتجاوز 15 يوماً، مما يعزز من الجدوى الاقتصادية لهذا النهج.

وإلى جانب التكلفة المستوية للإنتاج، فإن الكفاءة أيضاً لهذه الطريقة وخاصة بتقنية التخمير المظلم مرتفعة نسبياً إذ تبلغ (60-80)% وهو ما يجعلها بالفعل ذات إمكانات هائلة في تصنيع الهيدروجين.

    الكفاءة مقابل التكلفة لطرق إنتاج الهيدروجين الأخضر

التطبيقات والتحديات 

على الرغم من الإمكانات الواعدة لهذه الطريقة، إلا أنه لا تزال هنالك بعض التحديات التي تعيق تبني تقنية إنتاج الهيدروجين من الطحالب على نطاق واسع، مثل الحاجة إلى تصميم مفاعلات حيوية متطورة قادرة على استيعاب كميات كافية من الطحالب وضمان توفير المغذيات الأساسية مثل النيتروجين والفوسفور. إضافةً إلى ذلك، تتطلب هذه المفاعلات بنية تحتية متخصصة تشمل أنظمة الإضاءة والتحكم ودرجات الحرارة المناسبة، مما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف الرأسمالية الأولية للمشروع، غير أن هذا التحدي يمكن التغلب عليه، إذ أنّ الإنتاج المستمر للهيدروجين عبر الطحالب يمكن أن يعوض هذه التكاليف تدريجياً، خاصة أن العملية نفسها لا تحتاج إلى استهلاك إضافي للطاقة كما هو الحال في التحليل الكهربائي. كما أن عملية فصل الهيدروجين عن الغازات الثانوية مثل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون تكون أكثر سهولة مقارنة بطرق الإنتاج الأخرى.

فيما يتعلق باستخدامات الهيدروجين الأخضر الناتج من الطحالب، كما هو الحال مع الطرق الأخرى، يمكن توظيفه كوسيلة فعالة لتخزين الطاقة، كما يمكن تحويله إلى أمونيا لتسهيل عمليات النقل والتخزين بكفاءة أعلى. ورغم أن مشاريع إنتاج الهيدروجين من الطحالب لا تزال في مراحل البحث والتطوير في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن بعض المبادرات البحثية بدأت في الظهور، ومن أبرزها مجموعة من المشاريع الممولة من هيئة تمويل العلوم والتكنولوجيا والابتكار في مصر. أما على الصعيد العالمي، فقد بدأت بعض الدول، مثل الولايات المتحدة وأستراليا، بتبني هذه التقنية على نطاق صناعي أوسع.

وعند الحديث عن منطقتنا ومن الناحية التقنية، لا توجد تحديات جوهرية تعيق تبني هذه التقنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بل على العكس، تتمتع المنطقة بظروف مثالية لهذا النوع من الإنتاج نظراً لوفرة الإشعاع الشمسي، مما يعزز من كفاءة عمليات التحلل الحيوي المعتمدة على البناء الضوئي.  وإذا ما تم الاستثمار في هذه التقنية وتطوير البنية التحتية اللازمة، فقد تصبح المنطقة رائدة في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر من الطحالب، مما يفتح آفاقاً جديدة للطاقة المستدامة في المستقبل.

في الختام، يظهر إنتاج الهيدروجين الأخضر باستخدام الطحالب كحل مبتكر يحمل إمكانيات هائلة في تحويل صناعة الطاقة نحو استدامة حقيقية. هذه التقنية، بما تتمتع به من مزايا بيئية واقتصادية، تعد بمثابة خطوة هامة نحو تقليل الاعتماد على المصادر التقليدية للطاقة. وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها في الوقت الحالي، إلا أن الدعم المستمر للبحث والتطوير يمكن أن يعزز من قدرتها على تحقيق التوسع الصناعي والتجاري. مع الظروف المثالية المتاحة في العديد من المناطق، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، فإن الاستفادة من هذه التقنية قد تفتح آفاقاً جديدة للطاقة النظيفة وتحقيق أهداف الاستدامة العالمية.

حول الخبير 

 إيمان إسماعيل باحثة متخصصة في إنتاج الوقود الحيوي والتكنولوجيا الميكروبية، تتمتع بخبرة أكاديمية رصينة وشغف بالحلول المستدامة للطاقة. حصلت على درجة البكالوريوس في علم النبات (الميكروبيولوجيا) من جامعة طنطا بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، إلى جانب دبلومة في الميكروبيولوجيا من جامعة المنوفية، ثم واصلت دراستها لتحصل على درجة الماجستير في الطاقة المتجددة.

كان بحثها المتمحور حول إنتاج الهيدروجين الحيوي والإيثانول الحيوي من الكائنات الدقيقة أول رسالة ماجستير في إنتاج الهيدروجين الحيوي بجامعة طنطا و حالياً، تتابع إيمان دراستها كطالبة دكتوراة في قسم الميكروبيولوجيا بجامعة طنطا منذ مايو 2023، وحصلت على منحة بحثية مرموقة من أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا لتمويل أبحاثها حول إنتاج الهيدروجين الأخضر. ومن أبرز أبحاثها المنشورة في هذا المجال استخدام المعالجة الحيوية بالجسيمات النانوية لتعزيز إنتاج الهيدروجين لدى مجلة Microbial  Cell Factories فبراير 2023، ومن الجدير بالذكر أنها حاصلة على براءة اختراع لتطويرها تصميماً للمفاعل الحيوي يرفع من كفاءة التفاعلات الحيوية داخل المفاعل. البريد الإلكتروني: eman138354_pg@science.tanta.edu.eg

تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد في مجال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية…

نتمنى لكم يوماً مشمساً!

The post الهيدروجين الحيوي.. من الطحالب إلى الهيدروجين الأخضر appeared first on Solarabic سولارابيك. Written by خبراء الاستدامة