الطاقة الحرارية الجوفية في السعودية.. إمكانات ضخمة
تُعدّ الطاقة الحرارية الجوفية أحد أهم المصادر المتجددة التي تتميز باستدامتها وانخفاض انبعاثاتها الكربونية، ما يجعلها خيارًا واعدًا لمستقبل الطاقة النظيفة.
وعلى الرغم من إمكاناتها الكبيرة عالميًا، ما تزال هذه الطاقة تؤدي دورًا محدودًا في إنتاج الكهرباء مقارنة بمصادر أخرى مثل الرياح والطاقة الشمسية، إلّا أن التطورات التكنولوجية المتسارعة والاهتمام المتزايد بالتحول إلى مصادر نظيفة قد يعززان من انتشارها.
ووفقًا لتقارير طالعتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، لم تتجاوز مساهمة الطاقة الحرارية الجوفية 0.5% من إجمالي الإنتاج العالمي للطاقة المتجددة حتى عام 2021، رغم أن الاستفادة منها بدأت منذ أوائل القرن العشرين.
ويرجع ذلك إلى عدّة تحديات، منها ارتفاع التكاليف الأولية وتعقيدات الاستكشاف والحفر، ورغم ذلك، فإن بعض الدول بدأت تتبنّى سياسات واستثمارات تدعم هذا القطاع، ما قد يؤدي إلى زيادة انتشاره، خلال الأعوام المقبلة.
وفي المملكة العربية السعودية، برز أخيرًا اهتمام متزايد بتطوير هذا المصدر بصفته جزءًا من إستراتيجية تنويع مصادر الطاقة وتعزيز الاستدامة، وتشير الدراسات إلى وجود إمكانات جيولوجية كبيرة في مناطق محددة بالمملكة يمكن استغلالها بفاعلية.
ورغم التحديات التقنية والتنظيمية، فإن هناك فرصًا كبيرة لجعل الطاقة الحرارية الجوفية جزءًا أساسيًا من مزيج الكهرباء في المستقبل.
ومع تزايد الاهتمام العالمي بتقليل الانبعاثات وتحقيق الحياد الكربوني، يمكن أن تسهم الطاقة الحرارية الجوفية في دعم جهود المملكة لتحقيق أهدافها في إطار رؤية 2030، ولا سيما في مجالات مثل تحلية المياه وإنتاج الكهرباء.
الطاقة الحرارية الجوفية في السعودية
تتمتع الطاقة الحرارية الجوفية في السعودية بإمكانات كبيرة، ولا سيما في المناطق الغربية مثل جازان ووادي الليث، إذ تمتلك هذه المناطق معدلات تدرُّج حراري مرتفعة مقارنة ببقية مناطق المملكة.
وتشير التقييمات الأولية للموارد الجوفية بالمملكة إلى أنها قد تكون قادرة على توليد 1 غيغاواط من الكهرباء من الطاقة الحرارية الجوفية بحلول عام 2035.
وتتيح الظروف إمكان استغلال الطاقة الجوفية في توليد الكهرباء، وتحلية المياه، وحتى استخراج معادن مثل الليثيوم، ما يجعلها خيارًا إستراتيجيًا ضمن خطط المملكة لتنويع مصادر الطاقة.

ووفقًا لتقارير بحثية صادرة عن مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية “كابسارك”، فإن تطوير هذا القطاع يتطلب استثمارات كبيرة في البحث والتطوير، إضافة إلى تحسين تقنيات الحفر والاستكشاف.
وبدأت بعض الجامعات والمؤسسات البحثية في المملكة، مثل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية “كاوست”، بدراسة سبل توظيف هذه الطاقة في مجالات متعددة، أبرزها تشغيل محطات تحلية المياه بكفاءة أعلى.
وشهدت طاقة الحرارة الجوفية في السعودية محاولتين لاستكشافها، إذ كانت البئر الأولى بالقرب من حرة رهط شرق المدينة المنورة التي أشارت إلى وجود منطقة مثالية ومحتملة لإنتاجها، في حين شهد فبراير/شباط 2024 المحاولة الثانية ببدء حفر بئر استكشافية ثانية للطاقة الحرارية الأرضية في حرم جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، ضمن مشروع تجريبي للاستفادة منها.
ومن المقرر، في حالة نجاح المشروع، حفر سلسلة من آبار الإنتاج والحقن للوصول إلى درجات حرارة 150 و175 درجة مئوية، لتقييم أنظمة الطاقة الحرارية الجوفية في السعودية.
وفي السياق ذاته، توفر آبار النفط والغاز -خصوصًا المستنفدة والمتروكة- درجة الحرارة المطلوبة لاستعمالات الطاقة الحرارية الجوفية، وهو ما تتميز به المنطقة الشرقية في السعودية التي تتكون من تشكيلات رسوبية تعرف باسم “الصفيحة العربية”.
التحديات التقنية والاقتصادية
رغم الفرص الواعدة التي تقدّمها الطاقة الحرارية الجوفية في السعودية، فإن تطوير هذا القطاع يواجه عدّة تحديات، أبرزها:
- قلة البيانات الجيولوجية الدقيقة: يواجه الباحثون تحديًا في تحديد التدفقات الحرارية الجوفية بدقّة، مما يعقّد عمليات الاستكشاف والتطوير.
- ارتفاع التكاليف الأولية: تتطلب مشروعات الطاقة الحرارية الجوفية استثمارات ضخمة في مراحل الحفر والاستكشاف، وهو ما يحدّ من إقبال المستثمرين.
- غياب الأطر التنظيمية: تحتاج المملكة إلى وضع لوائح وتشريعات واضحة لتنظيم هذا القطاع، وتسهيل إجراءات التصاريح للمطورين والمستثمرين.
- التحديات التقنية في الحفر والاستكشاف: نظرًا لطبيعة المناخ الجاف والحار، قد يكون من الصعب العثور على موارد مائية جوفية كافية لنقل الحرارة إلى السطح، ما يستدعي استعمال تقنيات متقدمة مثل أنظمة الطاقة الحرارية الجوفية المحسّنة (EGS).
تعزيز استعمال الطاقة الحرارية الجوفية
يؤدي البحث والتطوير دورًا حاسمًا بتعزيز استعمال الطاقة الحرارية الجوفية في السعودية، إذ يمكن للمؤسسات البحثية والجامعات تطوير تقنيات حديثة لتحسين كفاءة الحفر وتقليل التكاليف. ومن بين الحلول المحتملة:
- استعمال تقنيات الحفر المحسنة التي تقلل من المخاطر والتكاليف المرتبطة بالاستكشاف.
- تطوير أنظمة طاقة حرارية جوفية معززة (EGS) لاستغلال مكامن الحرارة العميقة حتى في غياب المياه الجوفية الكافية.
- دراسة إمكان تحويل بعض آبار النفط والغاز المهجورة إلى مصادر للطاقة الحرارية الجوفية، ما يقلل الحاجة إلى عمليات حفر جديدة.
تنويع مصادر الطاقة في السعودية
في إطار رؤية السعودية 2030، تسعى المملكة إلى تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، مع استهداف توليد 50% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2030.
ويمكن أن تؤدي الطاقة الحرارية الجوفية دورًا محوريًا، لأنها مصدر طاقة مستدام يعمل على مدار الساعة، بخلاف الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي تتأثر بالتغيرات المناخية.
ولتحقيق ذلك، يجب على المملكة تبنّي إستراتيجيات فعّالة لدعم تطوير هذه الطاقة في السعودية، من بينها:
- وضع لوائح تنظيمية واضحة: تسهيل عمليات الترخيص وإصدار التصاريح للمستثمرين.
- توفير حوافز استثمارية: تقديم إعفاءات ضريبية وضمانات قروض لدعم الشركات الناشئة في هذا المجال.
- تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص: تعزيز التعاون بين شركات الطاقة التقليدية وشركات التكنولوجيا لدمج الخبرات والاستفادة من البنية التحتية القائمة.
- الاستثمار في البحث والتطوير: دعم الدراسات الجيولوجية والتقنيات الحديثة لتحسين كفاءة الإنتاج وخفض التكاليف.
الخلاصة..
تمثّل الطاقة الحرارية الجوفية فرصة مهمة للمملكة العربية السعودية لتعزيز أمنها الطاقي وتحقيق الاستدامة.
ورغم التحديات المرتبطة بتطوير هذا القطاع، فإن الإمكانات الجيولوجية الكبيرة، إلى جانب التقدم التكنولوجي والسياسات الداعمة، يمكن أن تجعلها عنصرًا رئيسًا في مزيج الكهرباء المستقبلي للمملكة.
ومع استمرار الجهود البحثية والاستثمارية، قد نشهد تحولًا ملموسًا في دور هذه الطاقة في السعودية خلال الأعوام القادمة، بما يعزز من ريادة المملكة في مجال الطاقة المتجددة عالميًا.
موضوعات متعلقة..
- الطاقة الحرارية الجوفية في السعودية.. قدرات غير مستغلة لتنويع مزيج الكهرباء
- أول مشروع لاستغلال الطاقة الحرارية الجوفية في الخليج
اقرأ أيضًا..
- حقل الروضتين الكويتي.. قصة اكتشاف نفطي عمره 69 عامًا
- 80% من إنتاج الغاز في أستراليا يذهب للتصدير.. والسوق المحلية تشتكي (تقرير)
- البلوك تشين.. مفتاح الشفافية والكفاءة في التبادل التجاري الزراعي (مقال)
- مسلسل استدعاء الشاحنات الهيدروجينية مستمر.. خطر يهدد الحياة
المصادر..
إقرأ: الطاقة الحرارية الجوفية في السعودية.. إمكانات ضخمة على منصة الطاقة