5 مقومات تمنح الجزائر الأولوية في تصدير الهيدروجين إلى أوروبا (مقال)
من المتوقع أن يشهد عام 2025 تقدمًا في مشروع نقل الهيدروجين من الجزائر إلى أوروبا، الذي يهدف إلى إنتاج الهيدروجين الأخضر في الجزائر ونقله إلى ألمانيا عبر تونس، إيطاليا، النمسا، وصولًا إلى الوجهة النهائية.
وأعلن وزير الطاقة، محمد عرقاب، المشروع في عام 2024، خلال مؤتمر صحفي جمعه بنظيره وزير الاقتصاد والمناخ الألماني.
ويأتي إعلان مشروع تصدير الهيدروجين من الجزائر إلى ألمانيا عقب المائدة المستديرة التي جمعت الطرفين، إذ وُقِّعَت عدّة اتفاقيات لمناقشة سبل التعاون في مجالات الطاقات المتجددة وتطوير الهيدروجين.
وكشف الوزير خطة عمل لتطوير الهيدروجين بين البلدين من خلال فرق تقنية مشتركة بين الشركة الوطنية سوناطراك وشركات ألمانية لتحديد سبل وطرق تطوير الهيدروجين الأخضر في الجزائر، ومن المتوقع أن يكتمل المشروع بحلول عام 2030.
لماذا الهيدروجين الأخضر؟
يعدّ الانتقال الطاقي من أبرز القضايا التي تشغل السياسيين والباحثين، والتحدي الأكبر يكمن في تحقيق هذا الانتقال بتكلفة منخفضة.
والسؤال المطروح هنا: ما هي مصادر الطاقة القادرة على إنجاح هذه العملية في ظل الفجوة بين الطاقة التقليدية، التي أثبتت كفاءتها في تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، والطاقة المتجددة، التي ما زالت بحاجة إلى تطوير وأبحاث إضافية؟
وفي هذا السياق، يشهد الهيدروجين اهتمامًا عالميًا متزايدًا، إذ يُعوَّل عليه لتسريع الانتقال الطاقي بفضل خصائصه الفريدة، فالعديد من الدول تتنافس على تطويره في مجالات متعددة مثل إنتاج الكهرباء والنقل والصناعة.
ويمكن للهيدروجين أن يساعد في التغلب على التحديات المرتبطة بمصادر الطاقة المتجددة، خاصة من حيث القدرة والتكلفة والتخزين، كما أن الاستثمار في الهيدروجين على نطاق واسع يمكن أن يسهم في خفض التكاليف، فضلًا عن إمكان تخزينه بكميات كبيرة لضمان استمرار الإمداد في القطاعات الصناعية ومحطات توليد الكهرباء.
يُنتَج الهيدروجين بطرق متعددة، ويُصنَّف حسب كمية الانبعاثات المصاحبة لعملية إنتاجه:
- الهيدروجين الأسود أو البني: يُنتَج من الفحم.
- الهيدروجين الرمادي: يُستخرَج من الغاز الطبيعي.
- الهيدروجين الأصفر :يُنتَج باستعمال الطاقة النووية.
- الهيدروجين الأخضر: يُنتَج حصريًا من مصادر طاقة نظيفة ومتجددة، مما يجعله الأكثر رواجًا.
ويُعدّ أيّ مصدر طاقة “نظيفًا” إذا كانت جميع مراحل إنتاجه واستغلاله وتوزيعه صديقة للبيئة.
الإنفوغرافيك التالي يستعرض أنواع الهيدروجين حسب طريقة الإنتاج:
نقل الهيدروجين من الجزائر إلى أوروبا
سيُنفَّذ المشروع على مراحل، مع إطلاق مشروع تجريبي لإنتاج الهيدروجين في المنطقة الصناعية أرزيو التابعة لسوناطراك في ولاية وهران، إذ ستبلغ سعة المحطة 50 ميغاواط، وسيسهم الجانب الألماني بمبلغ 20 مليون يورو (20.87 مليون دولار) في تمويلها.
كما ستُنفَّذ مشروعات أخرى لإنتاج الهيدروجين محليًا وتصديره إلى ألمانيا ودول أخرى عبر مشروع ممر الهيدروجين الجنوبي، وهو خط أنابيب يربط الجزائر بتونس وإيطاليا والنمسا وألمانيا.
وما يزال المشروع قيد الدراسة بين هذه الدول، وتتمثل التحديات الرئيسة في التكلفة وطول المسار، خصوصًا الجزء الذي يعبر البحر الأبيض المتوسط، إذ تفرض التضاريس البحرية متطلبات تقنية ورخصًا إضافية.
ويُقدَّر طول هذا الممر بنحو 3300 كيلو متر، وسيتيح نقل نحو 4 ملايين طن سنويًا من الهيدروجين من شمال إفريقيا إلى أوروبا، ما يمثّل 40% من احتياجات الدول المستوردة، وفقًا لمصادر متخصصة.
الخريطة التالية، من إعداد منصة الطاقة المتخصصة، تستعرض مسار مشروع ممر الهيدروجين الجنوبي:
لماذا اختيرَت الجزائر؟
يأتي مشروع ممر الهيدروجين الجنوبي ضمن جهود تعزيز الأمن الطاقي الأوروبي، إذ يُنظر إلى الهيدروجين الأخضر بصفته أحد الحلول الأساسية لتحقيق الانتقال الطاقي، نظرًا لكونه مصدر طاقة نظيفًا في إنتاجه واستعماله.
وتواجه أوروبا تحديات متزايدة، خاصة مع قرار الاتحاد الأوروبي حظر السيارات ذات المحركات الحرارية التي تنتج انبعاثات غازات الدفيئة بحلول عام 2035، مما يجعلها بحاجة إلى تنويع مصادر الطاقة، لذلك، تعتمد الدول الأوروبية على شركاء إستراتيجيين في جنوب المتوسط، مثل دول شمال إفريقيا.
أسباب اختيار الجزائر:
- تمتلك الجزائر فائضًا في إنتاج الكهرباء يزيد على 5 غيغاواط مقارنة بذروة الاستهلاك.
- تُعدّ الجزائر منتجًا رئيسًا للغاز الطبيعي، إذ بلغ إنتاجها السنوي 194 مليون طن من النفط المكافئ عام 2024، كما يعتمد إنتاج الكهرباء أساسًا على الغاز.
- تتمتع الجزائر بقدرة تنافسية عالية في إنتاج الهيدروجين الأخضر، إذ تخطط لإنتاجه بتكلفة تتراوح بين 1.2 ودولارين لكل كيلوغرام، أي ما يعادل 1.1 إلى 1.8 يورو (1.15 – 1.88 دولارًا)، وفقًا للمدير العام لشركة سوناطراك.
- تمتلك الجزائر موارد طبيعية غنية، مثل الإشعاع الشمسي العالي والمساحات الشاسعة المناسبة لبناء محطات الطاقات المتجددة.
- التزمت الجزائر بإنتاج 15 غيغاواط من الطاقة الشمسية، منها 3 غيغاواط قيد التنفيذ، مع توقُّع تشغيل عدّة محطات خلال 2025.
بالإضافة إلى ذلك، تمتلك الجزائر خبرة طويلة في صناعة الهيدروجين، إذ يُستعمل في قطاعات مثل توليد الكهرباء، وإنتاج الأمونيا، وتكرير النفط.
تحديات نقل الهيدروجين من الجزائر إلى أوروبا
رغم المزايا، لا يخلو مشروع نقل الهيدروجين من الجزائر إلى أوروبا من تحديات كبيرة، أبرزها:
- إنتاج الهيدروجين الأخضر بالاعتماد الحصري على مصادر الطاقة المتجددة: إذ إن الشبكة الوطنية للكهرباء مترابطة، وتجمع بين الطاقة التقليدية والمتجددة، مما يجعل من الصعب ضمان إمداد “نقي” قائم بالكامل على الطاقات المتجددة، وهو تحدٍّ تقني يستدعي حلولًا مبتكرة.
- إنشاء مرافق تخزين متطورة: إذ تحتاج الجزائر إلى بناء بنية تحتية واسعة لاستيعاب الكميات الكبيرة المتوقعة من الهيدروجين، التي تُقدَّر بنحو 40 مليون طن سنويًا موجهة نحو الأسواق الأوروبية.
يُعدّ المشروع خطوة إستراتيجية بالنسبة للجزائر، إذ يفتح أبواب سوق جديدة للهيدروجين على نطاق واسع، ويعزز فرص الاستثمار في الصناعات المرتبطة بالطاقة، مثل النقل، وتوليد الكهرباء، والصناعات البتروكيميائية.
كما يمكن أن يُسهم في تنويع الاقتصاد الجزائري، وخلق فرص عمل جديدة، إضافةً إلى تعزيز التعاون التكنولوجي بين الدول المشاركة في المشروع، خاصة في مجالات البحث والتطوير ونقل التكنولوجيا.
* د. مراحي رضا – باحث وخبير في مجال الطاقة
موضوعات متعلقة..
- مسؤول: نقل الهيدروجين من الجزائر إلى أوروبا يدعم التنمية في منطقة المتوسط
- نقل الهيدروجين الأخضر من الجزائر إلى أوروبا يتصدر أولويات ألمانيا (صور)
اقرأ أيضًا..
- الفحم وتحول الطاقة.. كيف يتحول الوقود الأكثر تلويثًا إلى ثروة للمستقبل؟
- منصة الجرف.. 5 معلومات عن مشروع إنتاج الأمونيا الخضراء في المغرب
- الغاز المسال في اليمن.. طاقة معطلة منذ سنوات تهدر مليارات الدولارات (تقرير)
إقرأ: 5 مقومات تمنح الجزائر الأولوية في تصدير الهيدروجين إلى أوروبا (مقال) على منصة الطاقة