Categories
Uncategorized

نقل الغاز الروسي إلى إيران.. خطوة تعمق الشراكة الإستراتيجية وتتحدى الغرب (مقال)

تهدف اتفاقية نقل الغاز الروسي إلى إيران إلى تعميق الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، وستبدأ سعة التوريد عند مليارَي متر مكعب سنويًا، وقد ترتفع في النهاية إلى 55 مليار متر مكعب.

في المقابل، فإن 109 مليارات متر مكعب سنويًا المنصوص عليها في مذكرة التفاهم التي وقّعتها شركة غازبروم الروسية (Gazprom) وشركة الغاز الوطنية الإيرانية (NIGC) في يونيو/حزيران الماضي تختلف عن هذه الصفقة.

ونظرًا لأن العديد من هذه الإعلانات تباطأَ في تحقيق أهدافه، فمن الحكمة المضي قدمًا بحذر، بالنظر إلى الطبيعة الطموحة لاتفاقيات النفط والغاز الروسية الإيرانية لروسية السابقة.

إلى جانب خطط التوريد الأولى، يسلّط التعاون بين روسيا وإيران الضوء على هدف البلدين لتحسين العلاقات الثنائية في عدد من المجالات المهمة، وليس فقط في صناعة الطاقة.

صفقة خط أنابيب الغاز

نظرًا للصعوبات الجيوسياسية الحالية، تهدف إيران وروسيا إلى تنويع أسواقهما وتقليل اعتمادهما على الدول الغربية، وتُعدّ صفقة خط أنابيب الغاز جزءًا من عملية مواءمة إستراتيجية أوسع نطاقًا.

وتعكس الشراكة مشهدًا عالميًا متغيرًا للطاقة، حيث تسعى جهات فاعلة جديدة إلى تغيير القواعد التي تحكم توزيع الطاقة وتجارتها.

ويشكّل التعقيد التقني والجيوسياسي لهذه الترتيبات، خصوصًا استعمال أذربيجان طريق عبور، إحدى العقبات الرئيسة التي تعترضها.

في المقابل، ما تزال جدوى توسيع إمدادات الغاز هذه والجدول الزمني لتوسيعها غير مؤكدَين، بسبب العقوبات والمنافسة الإقليمية وقيود البنية الأساسية.

الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين
الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين – الصورة من رويترز

ويمثّل خط أنابيب الغاز الروسي، الذي من المتوقع أن يمرّ عبر أذربيجان، تقدمًا كبيرًا في التعاون بين روسيا وإيران في مجال الطاقة.

ومن المتوقع أن يزيد الإمداد الأولي من مليارَي متر مكعب سنويًا إلى 55 مليار متر مكعب، ما يولّد نحو 10-12 مليار دولار لإيران سنويًا.

ورغم هذه الأرقام المشجعة، ما يزال هناك العديد من العقبات التي يتعين التغلب عليها، مثل محادثات الأسعار المستمرة، والمشكلات التقنية المتعلقة بتكافؤ القيمة الحرارية للنفط والغاز، وتأثيرات العقوبات الدولية في إيران وروسيا.

وسط هذه التحديات، أعرب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، عن ثقتهما في نجاح المشروع، وعَدَّاهُ عنصرًا مهمًا في تحالفهما الإستراتيجي الأكبر.

مسار خط الأنابيب عبر أذربيجان

سوف يمرّ مسار خط الأنابيب المختار عبر أذربيجان، وهو خيار برّي مفضّل على خط أنابيب تحت البحر عبر بحر قزوين.

ويوفر الطريق البري فوائد لوجستية، حيث يُعدّ أكثر عملية وفعالية من حيث التكلفة، مقارنةً بالصعوبات التقنية المرتبطة بمدّ خط أنابيب تحت البحر.

إضافة إلى ذلك، يتطلب خط الأنابيب تحت البحر موافقة جميع الدول المطلة على بحر قزوين، وهي عملية معقّدة بسبب المعارضة التاريخية من جانب روسيا وإيران لمثل هذه المبادرات.

ومن المتوقع أن تساعد كمية مليارَي متر مكعب من الغاز المقترح في تخفيف مشكلات توزيع الوقود شمال إيران، على الرغم من أن التفاصيل المحددة ما تزال غير واضحة.

وفي الوقت الحالي، تتركز مفاوضات التسعير حول تكافؤ القيمة الحرارية بين النفط والغاز، حيث يعمل الطرفان على الانتهاء من الاتفاق.

بدورها، تشكّل الجدوى الاقتصادية لنقل الغاز الروسي من الحقول السيبيرية إلى إيران عاملًا مهمًا قد يؤثّر في التسعير النهائي، على الرغم من أن طريقة حل هذا التحدي ما تزال غير مؤكدة.

أهمية اتفاقية نقل الغاز الروسي إلى إيران

تسلّط مدة اتفاقية نقل الغاز الروسي إلى إيران، التي تبلغ 30 عامًا، الضوء على أهميتها الإستراتيجية طويلة الأجل لكلا البلدين.

تجدر الإشارة إلى أن العلاقة بين روسيا وإيران تتجاوز تبادل الطاقة لتشمل نقل التكنولوجيا، والبناء المحتمل لمحطات الطاقة النووية الجديدة في إيران، والتعاون العسكري، بما في ذلك اتفاقيات الدفاع والتدريبات المشتركة.

حقل غاز بوفانينكوفو المملوك لشركة غازبروم الروسية
حقل غاز بوفانينكوفو المملوك لشركة غازبروم الروسية – الصورة من رويترز

وتشكّل الروابط التجارية الموسّعة جانبًا آخر من هذا التعاون المتزايد، حيث تهدف كل من الدولتين إلى زيادة قوّتها الاقتصادية والجيوسياسية في مواجهة العزلة الغربية المتزايدة.

وتمثّل هذه الصفقة تغييرًا بإستراتيجية الطاقة الروسية في سعيها إلى تنويع الأسواق، بعد انخفاض صادرات الغاز إلى أوروبا، نتيجة للحرب الدائرة في أوكرانيا.

وقد تغيّر اتفاقية خط الأنابيب مع إيران تدفقات الطاقة الإقليمية، وتؤثّر في أسواق الطاقة الدولية.

تداعيات اتفاقية نقل الغاز الروسي لإيران

تحمل اتفاقية نقل الغاز الروسي إلى إيران تداعيات جيوسياسية كبيرة، خصوصًا في ظل الخلاف المستمر بين روسيا والغرب.

وبالنظر إلى مواجهة الدولتين عقوبات قاسية، تأتي هذه الشراكة استجابة إستراتيجية للضغوط الغربية والعزلة الاقتصادية.

ومن خلال تعزيز علاقاتهما في مجال الطاقة والتعاون العسكري، تمثّل روسيا وإيران جبهة موحّدة أكثر، يمكنها تحدّي العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة وتغيير ديناميكيات الطاقة العالمية.

وتتجاوز الصفقة تجارة الطاقة، لأنها تكشف بوضوح استعدادَ البلدين لمقاومة النفوذ الغربي، ما يشير إلى تحول نحو شبكات الطاقة البديلة خارج الغرب.

إضافة إلى ذلك، تحمل الاتفاقية عواقب أوسع نطاقًا على الاستقرار الإقليمي والتحالفات.

ويطرح إدراج أذربيجان في مسار خط الأنابيب تساؤلات بشأن طريقة تأثير ذلك في علاقاتها مع روسيا وإيران والدول الغربية.

وقد انحازت أذربيجان تاريخيًا إلى الغرب، خصوصًا في مسائل الطاقة، ولكن التعاون المتزايد بين روسيا وإيران قد يدفع إلى تحولات بنهجها في السياسة الخارجية.

منصة حفر في منشأة لمعالجة الغاز تديرها شركة غازبروم الروسية
منصة حفر في منشأة لمعالجة الغاز تديرها شركة غازبروم الروسية – الصورة من رويترز

وعلى نطاق أوسع، تسهم هذه الصفقة بمواءمة المواقف في آسيا الوسطى والشرق الأوسط، حيث تنشأ تحالفات جديدة استجابة لديناميكيات النفوذ الإقليمية والعالمية المتطورة.

التعاون الروسي الإيراني في مجال الطاقة

تجسّد الشراكة بين البلدين التعاون الروسي الإيراني في مجال الطاقة، لا سيما أنهما تتجهان نحو معارضة النفوذ الاقتصادي والسياسي الغربي.

ويمثّل توجُّه روسيا نحو إيران تحولًا واضحًا في إستراتيجية سياستها الخارجية، ما يشير إلى نيّتها بناء علاقات أقوى مع الدول غير الغربية.

وبالنسبة لإيران، يوفر الاتفاق وسيلة مهمة لتخفيف القيود المحلية على الطاقة، وتوفير النفوذ الاقتصادي في ظل العقوبات.

إزاء ذلك، يستفيد البلَدان من القدرة على التحايل على طرق التجارة في مجال الطاقة التي يهيمن عليها الغرب، ما يعزز وجود تكتُّل جيوسياسي يتحدى نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها في أسواق الطاقة العالمية.

ويشمل هذا التحالف الإستراتيجي، إلى جانب تركيزه على الطاقة، أهدافًا جيوسياسية أوسع نطاقًا.

ويثير التعاون العسكري المتعمق بين البلدين مخاوف في المناطق المجاورة وبين الدول الغربية، خصوصًا فيما يتصل بجانبي الدفاع والأمن.

وبالإضافة إلى ذلك، ومع تعزيز روسيا وإيران علاقاتهما، فقد يسعيان معًا بشكل أوثق للتأثير في سياسة الطاقة بمنطقتي بحر قزوين وآسيا الوسطى.

ومن المحتمل أن يؤدي هذا إلى تعطيل تدفقات الطاقة التقليدية، وإعادة تشكيل سلاسل إمدادات الطاقة العالمية والتوافقات الجيوسياسية بطرق قد تعاكس توقعات النفوذ الغربي في منطقة أوراسيا.

قدرة إيران على توسيع صادراتها من الغاز

يعرقل العديد من التحديات التقنية قدرة إيران على توسيع صادراتها من الغاز، خصوصًا من حقل بارس الجنوبي، الذي يمثّل جزءًا كبيرًا من إنتاج الغاز في البلاد.

ويتطلب تراجع القدرة الإنتاجية للحقل، الذي من المتوقع أن ينخفض بمقدار 10 مليارات متر مكعب سنويًا، استثمارًا كبيرًا في البنية التحتية الجديدة.

وفي الوقت نفسه، فإن العقوبات حدّت من قدرة إيران على الوصول إلى التكنولوجيا الغربية المتقدمة اللازمة للحفاظ على الإنتاج أو توسيعه.

حقل بارس الجنوبي للغاز الطبيعي في إيران
حقل بارس الجنوبي للغاز الطبيعي في إيران – الصورة من موقع أوفشور إنرجي

على صعيد آخر، تعاني سوق الغاز المحلية في إيران من عدم الكفاءة، مدفوعة بالإعانات الضخمة التي تشجع الاستهلاك المسرف.

وتفتقر البلاد إلى محطات التسييل الكافية لإنتاج الغاز المسال، التي تعدّ مهمة للصادرات لمسافات طويلة.

بدورها، أدت العقبات الجيوسياسية والمالية إلى تأخير مشروعات خطوط الأنابيب الرئيسة، بما في ذلك خطوط الأنابيب بين إيران وعُمان وإيران وباكستان، ما يعوق إمكانات التصدير الإيرانية.

وإلى جانب القيود المالية وتحديات الصيانة المستمرة للبنية التحتية القائمة، تستمر هذه العوامل في الحدّ من قدرة إيران على تلبية الطلب المتزايد على صادرات الغاز.

الخلاصة

أدت التطورات الأخيرة إلى توضيح الطريق بما يتصل بالموضوع المهم المتمثل في وسيلة النقل.

فبدلًا من بناء خط أنابيب تحت البحر عبر تركمانستان أو بحر قزوين، قررت روسيا وإيران بناء خط أنابيب غاز عبر أذربيجان.

وبالمقارنة بخطّ الأنابيب تحت الماء، الذي يتطلب موافقة جميع جمهوريات منطقة بحر قزوين، يبدو هذا الطريق البري أكثر عملية، لأنه سيكون أقل تكلفة في البناء والصيانة.

ومن خلال اختيار أذربيجان دولة عبور، فقد تصبح مركزًا لتبادل الغاز، ما يزيد من أهميتها الإستراتيجية في الممر بين الشمال والجنوب.

وتمثّل صفقة خط أنابيب الغاز الروسي الإيراني تحولًا كبيرًا في ديناميكيات الطاقة العالمية، حيث تقدّم لإيران حلًا لنقص الطاقة المستمر لديها، وتوفر لروسيا سوقًا جديدة لصادراتها من الغاز، وسط انخفاض الطلب الأوروبي.

رغم ذلك، يظل العديد من الأسئلة الرئيسة قائمًا فيما يتصل بالخدمات اللوجستية وجدوى المشروع.

وما تزال طريقة نقل الغاز الروسي إلى إيران، خصوصًا من الحقول السيبيرية، غير واضحة ــ فهل يمرّ خط الأنابيب عبر طريق تحت البحر في بحر قزوين، أم أنه سيمرّ عبر تركمانستان أو أذربيجان؟ وسوف يخلّف اختيار المسار آثارًا جيوسياسية ولوجستية كبيرة في البلدين.

إلى جانب ذلك، يوجد جانب آخر بالغ الأهمية ينبغي مراعاته، وهو حجم الغاز الأولي الذي يبلغ مليارَي متر مكعب، الذي من المتوقع أن يعالج نقص الطاقة في شمال إيران.

وتقع حقول الغاز الإيرانية في الجنوب الغربي، ولم تنشئ البلاد بعدُ خطَ أنابيب لربط حقولها بالمناطق الشمالية.

ونتيجة لذلك، اعتمدت إيران على صفقات تبادل الغاز مع أذربيجان وتركمانستان.

وسوف تؤدي التحديات المرتبطة بهذه البنية الأساسية والتكاليف المالية لنقل الغاز من حقول سيبيريا الروسية إلى إيران ــنظرًا لأن إيران واحدة من أكبر منتجي الغازــ دورًا مهمًا في تحديد جدوى هذا المشروع ونجاحه على المدى الطويل.

وبعيدًا عن المخاوف التقنية واللوجستية، فإن الأبعاد السياسية لهذه الشراكة في مجال الطاقة تثير أسئلة مهمة بشأن تفاعل القوى الإقليمية، خصوصًا تلك التي لديها مصالح راسخة في موارد بحر قزوين، مع مسار خط الأنابيب الجديد هذا.

من ناحيتها، تحتلّ أذربيجان موقعًا إستراتيجيًا بصفتها دولة عبور، وأيّ تعطيل لاتفاقيات العبور القائمة من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التوترات في المنطقة.

إضافة إلى ذلك، فإن الأهمية الجيوسياسية لهذا الخط الأنابيب تمتد إلى ما هو أبعد من البلدين المعنيَين، حيث تؤثّر في ديناميكيات أمن الطاقة الأوسع بالمنطقة، وربما تعيد تشكيل مشهد الطاقة في آسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين.

الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب “دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001”.

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إقرأ: نقل الغاز الروسي إلى إيران.. خطوة تعمق الشراكة الإستراتيجية وتتحدى الغرب (مقال) على منصة الطاقة