مشروع ضخم مرتقب من نيوم السعودية يثير الجدل في بريطانيا
من المقرر أن تشغّل بريطانيا حافلات “خضراء” بوقود مستورد من مدينة نيوم السعودية، استمرارًا لجهود البلاد في خفض انبعاثات قطاع النقل.
ووفق المعلومات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، وافقت الحكومة البريطانية على تطوير ميناء في لينكولنشاير لاستقبال شحنات تحمل آلاف الأطنان من الأمونيا الخضراء من نيوم.
وسيُستعمل هذا الغاز لإنتاج الهيدروجين المُخصص للاستعمال في الحافلات والشاحنات الثقيلة لنقل البضائع والمصانع.
إلّا أن استيراد الوقود من المملكة العربية السعودية بدلًا من الاعتماد على الطاقة المتجددة المحلية أثار جدلًا واسعًا في بريطانيا، بحسب تقرير نشرته منصة “ذا آيب بيبر” (The iPaper).
ويقول خبراء المناخ، إنه من “الجنون” استيراد الوقود من على بُعد آلاف الأميال لتشغيل الحافلات، التي يُمكن أن تعمل بدلًا من ذلك بالكهرباء المتجددة المُنتجة في بريطانيا.
وفي المقابل، يجادل مؤيدو استيراد الطاقة الخضراء إلى المملكة المتحدة بأن الأمونيا يُمكن أن تخفف الضغط على شبكة الكهرباء البريطانية، وتُنوّع إمدادات الطاقة في البلاد.
تشغيل الحافلات بالهيدروجين
كشفت صحيفة “ذا آيب بيبر” -في تقريرها الذي اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة- عن أسطول من 88 حافلة تعمل بالهيدروجين في مقاطعتي ساسكس وساري، ومن المقرر أن تعمل بوقود مستورد من مسافة 3 آلاف ميل من نيوم السعودية، في الوقت الذي تُجرى فيه تجارب على مركبات مماثلة في جميع أنحاء بريطانيا.
كما وافقت وزارة النقل البريطانية، في فبراير/شباط 2025، على مقترحات قدّمتها شركة الغاز الأميركية، إير برودكتس (Air Products)، لتطوير “محطة للطاقة الخضراء” في ميناء إمينغهام بمقاطعة لينكولنشاير.
وستُستعمل المحطة لاستقبال شحنات الأمونيا من منشأة لإنتاج الهيدروجين في نيوم، والمقرر الانتهاء منها العام المقبل (2026).
وتقوم إير برودكتس بتطوير منشأة الهيدروجين السعودية بالشراكة مع نيوم، بتمويل من صندوق الثروة السيادي السعودي.
ووفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة، يُروَّج للهيدروجين بوصفه حلًا أخضر محتملًا، إذ يُمكن إنتاجه من الماء، ولا يُطلق ثاني أكسيد الكربون عند حرقه، ومع ذلك، هناك عوائق رئيسة أمام استعمال الهيدروجين على نطاق واسع، إذ يستهلك طاقةً هائلةً، وإنتاجه مكلف.
وتوصي لجنة تغير المناخ (CCC)، التي تُقدّم المشورة لوزراء المملكة المتحدة بشأن الحياد الكربوني، بعدم استعمال الهيدروجين إطلاقًا لتدفئة المنازل، وقالت، إنه سيؤدي “دورًا محدودًا للغاية، إن وُجد، في النقل البري”.
ويتفق العديد من خبراء المناخ على أن الهيدروجين لا ينبغي أن يؤدي دورًا في مجالات مثل السيارات والحافلات، إذ أثبتت المركبات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات نجاحها.
وعلى الرغم من ذلك، تُواصل المجالس في جميع أنحاء المملكة المتحدة -بما في ذلك أبردين، ومنطقة مدينة ليفربول، وساري- إجراء تجارب على مشروعات الحافلات التي تعمل بالهيدروجين، عادةً بدعم من التمويل الحكومي.
ومع ذلك، فإن التحديات المتعلقة بإمدادات الهيدروجين تعني أحيانًا توقُّف الحافلات في المستودع.
ففي شهر أبريل/نيسان الماضي، أفادت تقارير بأن أسطول الحافلات التي تعمل بالهيدروجين في أبردين متوقف عن العمل منذ يوليو/تموز من العام الماضي (2024)، بسبب صعوبات في الحصول على الوقود.
وعندما تعمل الحافلات، غالبًا ما تُزوّد بالهيدروجين “الرمادي” الأقل صداقةً للبيئة.

معارضة استيراد الوقود من السعودية
من المأمول أن تُوفر محطة إمينغهام للطاقة الخضراء الجديدة حلًا لهذه المشكلة، حيث ستُستعمَل الواردات من المملكة العربية السعودية لإنتاج الهيدروجين “الأخضر”.
وتُعدّ شركة إير برودكتس هي مُصدّر الهيدروجين لأسطول الحافلات الذي يُديره مجلس ساري، والذي يخدم أماكن تشمل مطار غاتويك، وكراولي، وهورلي، وقد صرّحت بأنها تنوي استعمال الوقود الذي تستورده من نيوم السعودية في هذا المشروع.
وليس من الواضح حاليًا ما إذا كانت شركة إير برودكتس قد خططت لتزويد مشروعات أخرى لحافلات الهيدروجين بالوقود، إلّا أن الشركة صرّحت -أيضًا- أن الهيدروجين سيُستعمل في الشاحنات الثقيلة والصناعة.
ومع ذلك، وصف أستاذ الهندسة الميكانيكية بجامعة كامبريدج، ديفيد سيبون، الفكرة بأنها “فكرة سيئة للغاية”، بحسب تقرير “ذا آي بيبر”.
ويُقدّر سيبون أن تشغيل حافلة باستعمال الهيدروجين المستورد من نيوم السعودية سيستهلك نحو 5 أضعاف الطاقة، ومن ثم سيكلّف 5 أضعاف تكلفة تشغيل حافلة بالكهرباء المتجددة المنتجة من مزارع الرياح والطاقة الشمسية في المملكة المتحدة.
وقال: “ستكون تكلفة هذه الحافلات باهظة للغاية، هناك مئات الآلاف من الحافلات الكهربائية في العالم، وهي ناجحة جدًا، وتكلفة تشغيلها منخفضة.. لماذا ترغب في تشغيل حافلة بتكلفة طاقة أعلى بـ5 أضعاف؟ تكلفة حافلات الهيدروجين نفسها ضعف تكلفة الحافلات الكهربائية على الأقل”.
وتابع: “إنه أمرٌ جنوني، وخاصةً بالنظر إلى عدد مشروعات حافلات الهيدروجين الفاشلة.. من الصعب فهم سبب حدوث هذا الأمر”.

دور الهيدروجين في الطاقة النظيفة
في الوقت الذي أعطى فيه وزير النقل الضوء الأخضر لمحطة الاستيراد الجديدة في إمينغهام، أبلغت وزارة أمن الطاقة والحياد الكربوني منصة “ذا آي بيبر” أنها لن تُقدّم دعمًا حكوميًا للمشروع، نظرًا لأنها تُعطي الأولوية للهيدروجين المُنتَج بالكامل في المملكة المتحدة.
وصرّح متحدث باسم الحكومة: “لن ندعم أيّ مشروعات لتكسير الأمونيا في الوقت الحالي؛ لأننا نعطي الأولوية لدعم إنتاج الهيدروجين الأولي في المملكة المتحدة”.
وأضاف: “سيؤدي الهيدروجين دورًا مهمًا بمهمتنا لنصبح قوة عظمى في مجال الطاقة النظيفة؛ ما يوفّر آلاف الوظائف ويوفر مصدرًا للطاقة النظيفة المحلية”.
من جانبه، أشار متحدث باسم مجلس مقاطعة ساري إلى أن “مسؤولية توفير تكلفة الهيدروجين” تقع على عاتق مشغّل الحافلات، بحسب ما نقلته منصة “ذا آي بيبر”.
وأكد المتحدث أن حافلات المقاطعة تعمل حاليًا بالهيدروجين “الأخضر” المنتج في روتردام، لكنه لم يتمكن من تقديم تفاصيل عن المنشأة التي يُنتج فيها هذا الهيدروجين، مضيفًا أن المجلس لديه 54 حافلة هيدروجين قيد التشغيل، وأن “أكثر من 40 حافلة” تعمل بالهيدروجين يوميًا.
وقال متحدث باسم شركة إير برودكتس: “يُكمل الهيدروجين المستورد التحليل الكهربائي المحلي في المناطق التي تعاني من ندرة الأراضي ومصادر الطاقة المتجددة ومياه الشرب”.
وأضاف: “من المهم أن نتبنى جميع مسارات الإنتاج، بما في ذلك الهيدروجين من الطاقة المتجددة المستوردة من المناطق الجغرافية ذات وفرة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح”.
كما قال: “يمكن أن يوفر هذا طاقة متجددة قابلة للتوزيع عند الطلب، ما يُسهم في إزالة الكربون من الصناعات التي يصعب الحدّ من انبعاثاتها، مثل إنتاج الصلب والنقل الثقيل.. من المتفق عليه على نطاق واسع أن الأمونيا هي الخيار الأمثل لنقل الهيدروجين لمسافات أطول.. تمثّل الأمونيا 85% من مشروعات الهيدروجين المُعلنة عالميًا”.
موضوعات متعلقة..
- نيوم السعودية تعتمد على الخرسانة الخضراء لدعم مشروع ذا لاين
- حجم الطلب على الهيدروجين مثار خلاف.. ما علاقة نيوم السعودية؟
- نيوم السعودية يمكنها إنتاج الهيدروجين الأخضر على نطاق واسع (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- العراق يمنع سرقة المنتجات النفطية بمشروع ضخم.. وضبط 3 ملايين لتر خلال شهر
- توتال إنرجي تشتري غازًا طبيعيًا مسالًا كنديًا لمدة 20 عامًا
- أوابك: طاقة الإسالة العالمية للغاز قد تتجاوز 515 مليون طن سنويًا
- إنتاج كهرباء الرياح في ألمانيا ينخفض بسبب حدث نادر.. أول مرة منذ 53 عامًا
المصدر:
إقرأ: مشروع ضخم مرتقب من نيوم السعودية يثير الجدل في بريطانيا على منصة الطاقة