Categories
Uncategorized

صادرات الغاز والنفط الروسية.. مسارات متباينة في ظل العقوبات وسقف الأسعار (مقال)

تمضي صادرات النفط الروسية في مسارات متباينة وسط العقوبات الغربية وسقف الأسعار؛ إذ تشهد صادرات موسكو من النفط الخام انتعاشًا متباينًا في عام 2025.

وعلى الرغم من العقوبات الغربية المستمرة، وتحديد مجموعة الدول الـ7 سقفًا لسعر البرميل عند 60 دولارًا، والقيود المفروضة على أساطيل الشحن الموازية، انتعشت صادرات النفط المنقولة بحرًا في أبريل/نيسان الماضي إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من عام.

في المقابل، نمت الشحنات المنقولة على متن ناقلات النفط التابعة لدول مجموعة الدول الـ7 بأكثر من 50% على أساس شهري، مسجلةً بذلك أقوى ارتفاع لها في الشهور الـ13 الماضية.

وظلّ سعر خام الأورال الروسي، وهو خام التصدير الرئيس، يُتداول بثبات بين 52 و53 دولارًا للبرميل في أبريل/نيسان 2025، وما يزال هذا النطاق أدنى من سقف الـ60 دولارًا، ما يجعل النقل والتأمين الغربييْن مسموحًا بهما قانونًا في ظل نظام العقوبات الحالي.

سوق ناقلات النفط العالمية

فتحت هذه النافذة التسعيرية فرصًا جديدةً لقدرات الشحن الأوروبية الخاملة، لا سيما بين مالكي السفن اليونانيين، الذين لطالما هيمنوا على سوق ناقلات النفط العالمية.

وتضاعف حجم النفط الروسي المنقول على متن سفن تحمل العلم اليوناني أو مملوكة لليونان في أبريل/نيسان الماضي.

وقد أدى مزيجٌ من انخفاض أسعار الشحن، وقلة استعمال السفن، وعودة طرق التجارة الملتزمة بالقانون إلى استعادة الثقة.

وعادت ناقلات النفط اليونانية إلى العمل، ملتزمةً تمامًا بالعقوبات، لكنها تستفيد من الثغرات التي أحدثتها فروق الأسعار.

ناقلة النفط الخام مينيرفا بالتيكا التي تحمل العلم المالطي تبحر في مضيق البوسفور
ناقلة النفط الروسية مينيرفا بالتيكا التي تحمل العلم المالطي تبحر في مضيق البوسفور – الصورة من رويترز

تراجع أسطول الظل وصعود النفط “النظيف”

يُعزى هذا التحول إلى الاستهداف المتسارع لأسطول الظل الروسي -هو مجموعة ضخمة من الناقلات التي تُشترى عبر وسطاء- وغالبًا ما تكون دون تأمين غربي أو ملكية واضحة.

ومنذ غزو أوكرانيا، أُدمجت أكثر من 600 سفينة قديمة في هذه السلسلة اللوجستية الغامضة، حيث تنقل النفط الخام بصفة أساسية إلى الهند والصين ودول عدم الانحياز.

في عام 2025، سيُستهدف هذا الأسطول، حيث وسّعت الولايات المتحدة نطاق تطبيق العقوبات الثانوية، وبدءًا من مايو/أيار الجاري، أُضيفت أكثر من 180 ناقلة إلى القائمة السوداء للعقوبات الأميركية.

وقد أحدث هذا تأثيرًا مُثبطًا في المواني وشركات التأمين، ما أدى إلى تعطيل عمليات مالكي أساطيل الظل ومشتريها.

ونتيجة لذلك، انخفضت حصة أسطول الظل في صادرات النفط الروسية من 80% في أوائل عام 2024 إلى نحو 65% بحلول مايو/أيار 2025.

بدورهم، يتجه المشترون الذين يسعون إلى تجنّب مخاطر السمعة والامتثال نحو سلاسل لوجستية نظيفة، خصوصًا بدائل الشحن القانونية مثل تلك التي توفّرها السفن التي تحمل العلم اليوناني أو المالطي أو البنمي والمؤمنة من قبل مؤسسات مرخصة.

محطة تحميل النفط بميناء تامان في روسيا
محطة تحميل النفط بميناء تامان في روسيا – الصورة من صحيفة كوميرسانت الروسية

المحور الإستراتيجي للهند: النفط والغاز المسال.. وممر تجاري جديد

برزت الهند بصفتها أهم شريك طاقة لروسيا، لتحل محل الصين بوصفها أكبر مشترٍ للنفط الخام الروسي المنقول بحرًا.

في مايو/أيار 2025، استوردت الهند ما يقرب من 1.8 مليون برميل نفط يوميًا من روسيا، وهو أعلى رقم مُسجل في 10 أشهر، وفقًا لبيانات تتبع السفن من شركة كبلر.

ويُعزى هذا الارتفاع الكبير إلى الطلب على مزيج إسبو، وهو خام خفيف وحلو من الشرق الأقصى الروسي، مثالي للبنية التحتية للتكسير الحفزي في الهند.

وتشهد مصافي التكرير الهندية الكبرى -بما في ذلك ريلاينس إندستريز، و”إم آر بي إل”، وشركة إنديان أويل كوربوريشن- زيادة في طلباتها.

وفي الأسبوع الماضي فقط، طُلب أكثر من 10 شحنات جديدة من مزيج إسبو للتسليم في يونيو/حزيران المقبل، ما يشير إلى طلب قوي في المستقبل.

من جهتها، تدخّلت الحكومة الهندية لتسهيل التجارة، فقد وافقت هيئة تنظيم الشحن الهندية على منح 8 شركات تأمين روسية -من بينها شركة سبيربنك للتأمين، ومجموعة يوغوريا للتأمين، وشركة أستك للتأمين- تغطية تأمينية (الحماية والتعويض) للناقلات التي تصل إلى المواني الهندية.

وتسري هذه التراخيص حتى 20 فبراير/شباط 2026، ما يُمثل تحولًا هيكليًا في منظومة التأمين البحري في الهند، ويُقلل من الاعتماد على أسواق التأمين الغربية.

بالإضافة إلى ذلك، تهدف اتفاقية التجارة الحرة (FTA) قيد التفاوض بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAEU) -التي أعلنها السفير فيناي كومار- إلى تعميق التكامل الاقتصادي الذي تُشكل تجارة الطاقة محوره.

وقد استوردت الهند بضائع قياسية من روسيا بلغت 39.8 مليار دولار أميركي في الأشهر الـ10 الأولى من سنتها المالية 2022-2023، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم في ظل اتفاقية التجارة الحرة.

تراجع الصين الهادئ.. تقليص وارداتها من الغاز والنفط الروسيَّيْن

على الرغم من أن الهند تُعزز علاقاتها في مجال الطاقة مع موسكو، تُخفّض الصين وارداتها بهدوء.

ووفقًا للإدارة العامة للجمارك الصينية، انخفضت صادرات النفط الروسية بنسبة 14.2% على أساس سنوي في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى أبريل/نيسان 2025، لتصل إلى 32.4 مليون طن، مقارنةً بـ37.8 مليون طن في الفترة نفسها من عام 2024.

وانخفضت قيمة هذه الواردات بصورة حادة -بنسبة 23.9%- لتصل إلى 7.1 مليار دولار.

في الوقت نفسه، انخفضت واردات الصين من الغاز المسال الروسي بنسبة 27.2% من حيث الحجم، و28.1% من حيث القيمة.

سفينة تحمل شحنة من الغاز المسال الروسي ترسو في ميناء نانتونغ بالصين
سفينة تحمل شحنة من الغاز المسال الروسي ترسو في ميناء نانتونغ بالصين- الصورة من رويترز

من ناحية ثانية، انخفضت واردات الفحم من روسيا بنسبة 13% في أبريل/نيسان الماضي على أساس سنوي. وقد تبدّدت آمال روسيا في تخفيف الرسوم الجمركية عبر بكين حتى الآن؛ إذ رفضت السلطات الصينية رفع الرسوم الجمركية على الفحم الروسي.

ويعود تراجع واردات الطاقة في الصين إلى 3 عوامل إستراتيجية:

استقلال الطاقة: في عام 2024، أضافت الصين 48 غيغاواط من القدرة الجديدة العاملة بالفحم، بعد 47 غيغاواط في عام 2023، مع 95 غيغاواط إضافية قيد الإنشاء و67 غيغاواط معتمدة.

كهربة النقل: في عام 2024، كانت 48% من جميع السيارات الجديدة المبيعة في الصين كهربائية أو هجينة، متجاوزةً الهدف الوطني البالغ 40% قبل 6 سنوات من الموعد المحدد.

الإنتاج المحلي: بلغ إنتاج الصين من النفط مستوى قياسيًا بلغ 5.3 مليون برميل يوميًا في عام 2024.

وتهدف شركتا “سنوك” (CNOOC) و”بتروتشاينا” (PetroChina) إلى الحفاظ على مستويات الإنتاج مستقرة أو زيادتها، حيث تتوقع سينوك أن يصل الإنتاج إلى 2.2 مليون برميل مكافئ نفط يوميًا في عام 2026.

إلى جانب ذلك، انخفض معدل تشغيل مصافي التكرير في الصين إلى 75.5%، ما يعكس تراجع الطلب على وقود النقل.

ورغم هذا التراجع، تظل روسيا أكبر مورد للنفط إلى الصين من حيث الحجم، في الوقت الذي تحقّق فيه ماليزيا والمملكة العربية السعودية مكاسب بسرعة.

مصير الفحم والغاز المسال الروسي

يواجه الغاز المسال الروسي مستقبلًا صعبًا، وتحتل روسيا المرتبة الرابعة بين موردي الغاز المسال للصين، إلا أن الإمدادات انخفضت بنسبة 27.2% في الأشهر الـ4 الأولى من عام 2025.

في المقابل، استقرت صادرات قطر، في حين تقلصت صادرات الغاز المسال الأسترالية والماليزية إلى الصين (متراجعة بنسبة 24% و25% على التوالي).

وشهدت صادرات الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب إلى الصين زيادة في القيمة بنسبة 31.6%، لتصل إلى 3.3 مليار دولار أميركي في المدة من يناير/كانون الثاني إلى أبريل/نيسان 2025.

رغم ذلك، ما تزال قاعدة الكميات محدودة، إذ تعوق قيود البنية التحتية توجه روسيا نحو آسيا، لا سيما مع تجاوز سعة خطوط الأنابيب الحد المسموح به وضعف الطلب على الغاز المسال.

ويتعرّض الفحم لضغوط، فقد توقعت وزارة الطاقة الروسية انتعاشًا إلى 100 مليون طن من صادرات الفحم إلى الصين في عام 2025، إلا أن بيانات الربع الأول تُظهر انخفاضًا بنسبة 8% على أساس سنوي لتصل إلى 45.5 مليون طن.

وقد يتفاقم هذا الاتجاه في غياب التنازلات الجمركية التي رفضت الصين منحها.

التداعيات الجيوسياسية

يُظهر المشهد العالمي للوقود الأحفوري الروسي في عام 2025 قصتَيْن متباينتَيْن: إحداهما تآكل في الصين، والأخرى انتعاش في الهند.

وتُسلط هذه المسارات المتباينة الضوء على 3 تداعيات جيوسياسية رئيسة:

أولًا، مواءمة سياسات الطاقة في دول البريكس: يُشير اعتماد الهند المتزايد على النفط الروسي، إلى جانب تكاملها مع خدمات التأمين والشحن الروسية، إلى ظهور ممر طاقة غير غربي مكتفٍ ذاتيًا. يُعزز هذا التحول تحالف البريكس+ بديلًا لنظام الطاقة الذي يقوده الغرب.

ثانيًا، التراجع الهيكلي للمناورة الروسية الصينية: على الرغم من العلاقات التجارية القوية، فإن تحول الصين نحو الإنتاج المحلي والكهرباء والاعتماد على الذات في مجال الطاقة يُقلّل من نفوذ روسيا على المدى الطويل. ويُمثّل ضعف نفوذ روسيا في مجال الطاقة على الصين خسارة إستراتيجية كبيرة لموسكو.

ثالثًا، ضعف العقوبات والتحكيم القانوني: يُظهر إحياء ناقلات النفط اليونانية وتهميش أسطول الظل كيف يستغل الفاعلون في السوق المناطق الرمادية التنظيمية.

ويُمكّن الالتزام بسقف الأسعار من استمرار الصادرات الروسية، ما يُسلط الضوء على حدود العقوبات شديدة التعقيد أو سيئة التنفيذ.

في الختام، يُبحر قطاع الوقود الأحفوري في روسيا في مياه مضطربة وتوجهه المناورات الإستراتيجية، بمساعدة شركاء انتهازيين وثغرات اقتصادية.

ويواجه الغرب خيارًا حاسمًا؛ إما فرض العقوبات بصورة أكثر صرامة والمخاطرة بتقلب الأسعار، وإما قبول التحايل القائم على السوق الذي يُقوّض حاليًا أهدافه الجيوسياسية.

وفي كلتا الحالتين، يشهد نظام الطاقة العالمي تفككًا -على أسس تنظيمية وبنيوية وأيديولوجية- وستتردد تداعيات ذلك عبر طرق التجارة والتحالفات وأمن الطاقة لسنوات مقبلة.

فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إقرأ: صادرات الغاز والنفط الروسية.. مسارات متباينة في ظل العقوبات وسقف الأسعار (مقال) على منصة الطاقة