تفاقم ظاهرة ازدحام شبكات الكهرباء في هولندا وألمانيا.. ومبادرات تجريبية لحلّها (تقرير)
تؤرّق مشكلة ازدحام شبكات الكهرباء العديد من الدول الأوروبية المتسارعة نحو الطاقة المتجددة، إذ تؤدي هذه الظاهرة إلى تأخُّر ربط المشروعات الجديدة بالشبكات لسنوات؛ ما يهدد اقتصادات المشروعات ويعطّل مسارات تحوّل الطاقة.
في هذا السياق، أظهر تقرير تحليلي حديث -اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)- تفاقم مشكلة اختناقات الشبكات في هولندا وألمانيا، مع ارتفاع حادّ في تكاليف إدارتها خلال سنوات قليلة.
وتحدث مشكلة ازدحام شبكات الكهرباء عادةً عندما تعجز خطوط النقل عن توصيل فائض الإمدادات، بسبب تجاوزها السعة المقررة، خاصة في أوقات انخفاض الطلب على الكهرباء.
وأصبحت الشكوى من هذه الظاهرة متكررة، خاصة في بعض الدول الأوروبية المتسارعة في ربط مشروعات الطاقة المتجددة بالشبكات، مثل هولندا وألمانيا وإسبانيا، كما تشتكي منها الصين و بعض الولايات الأميركية مثل كاليفورنيا وتكساس بدرجة أقل.
ازدحام شبكات الكهرباء في هولندا
تفاقمت مشكلة ازدحام شبكات الكهرباء في هولندا بصورة صارخة خلال السنوات الأخيرة؛ ما جعلها أبرز مثال على هذه المشكلة في العالم -حاليًا- بحسب التحليل المنشور في موقع وكالة الطاقة الدولية.
ويرجع السبب الرئيس لتفاهم هذه المشكلة إلى سرعة تحولات نظام الكهرباء في هولندا، مع زيادة حصة الطاقة المتجددة وتسارع معدلات كهربة الاستعمالات النهائية.
وعلى سبيل المثال، زادت قدرة الطاقة الشمسية الكهروضوئية في هولندا 5 مرات بين عامي 2018 و2023، مدفوعة بصورة رئيسة بالتركيبات الموزّعة على أسطح المنازل.

وأدت السياسات المشجّعة لأصحاب المنازل، مثل نظام صافي القياس (تبادل الكهرباء بين المنشأة والشبكة في أوقات الفائض والعجز)، إلى جعل هولندا واحدة من رواد العالم بمجال الطاقة الشمسية في وقت قصير.
ورغم ذلك، لم تتوسع شبكات الكهرباء في البلاد بما يكفي لاستيعاب متطلبات كل الطلب الجديد على الكهرباء والإمدادات الموزعة التي يؤدي ربطها بالشبكات إلى مزيد من الارتباك نتيجة التوليد المتقلب حسب ظروف الطقس.
علاوة على ذلك، يوفر نظام صافي القياس دفع أموال مقابل الكهرباء المسلّمة إلى الشبكات، بغضّ النظر عن سعر السوق، ما يعني أن تركيبات الطاقة الشمسية الكهروضوئية تفتقر إلى الحوافز اللازمة لتلبية احتياجات نظام الكهرباء، وإن كان ذلك يصبّ في صالح أصحاب المنازل.
وأدى ذلك إلى تفاقم ازدحام شبكات الكهرباء في هولندا، وهي مشكلة تنشأ عندما لا تكفي سعة خطوط نقل الكهرباء لنقل جميع الإمدادات المتاحة من نقطة إلى أخرى على الشبكات، ما يترتب عليه اضطرار المشغّلين إلى تأخير طلبات الربط البيني الإضافية أو ترقية التوصيلات.
وحتى أوائل عام 2025، كان هناك 7 آلاف و500 مشروع تنتظر الاتصال بشبكات الكهرباء في هولندا، إضافة إلى 10 آلاف طلب لمستهلكين أو بطاريات، بحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية.
تكلفة ازدحام شبكات الكهرباء
يؤدي ازدحام شبكات الكهرباء إلى آثار خطيرة في الاقتصادات والمجتمعات، إذ يؤخّر توصيل الكهرباء ويعوق مبادرات التوسع في مشروعات الإسكان والتنمية الصناعية، كما يقوّض أمن الطاقة والتنمية الاقتصادية والتحولات نحو الطاقة النظيفة.
كما يتسبب ازدحام الشبكات بارتفاع تكاليف الكهرباء المباشرة على المستهلكين في صورة فواتير أعلى محمّلة بتكاليف إدارة الازدحام أو إصلاح و توسعة خطوط النقل.
وفي عام 2022، أنفقت شركة تننت تي (TenneT)، مشغّل نظام نقل الكهرباء الهولندي، قرابة 388 مليون يورو (419 مليون دولار) على إدارة ازدحام الشبكة، ما يعادل 6 أضعاف ما أنفقته في عام 2020.
كما تُلحَظ اتجاهات مماثلة في دول أخرى، مثل ألمانيا، التي ارتفعت تكاليفها في إدارة ازدحام شبكات الكهرباء بأكثر من 3 مرات بين عامي 2020 و2022.
وتجاوزت التكلفة 4 مليارات يورو (4.3 مليار دولار) في عام 2022، وفي معظم الحالات، تحمَّلها المستهلكون عبر زيادة رسوم الشبكة في الفواتير، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
مبادرات معالجة ازدحام الشبكات
وضعت الحكومة الهولندية معالجة مشكلة ازدحام شبكات الكهرباء في قائمة أولوياتها القصوى من عام 2022، عندما قدّمت وزارة المناخ والطاقة برنامج عمل وطني لمعالجة هذه المشكلة.
وأقرّ البرنامج مجموعة واسعة من الجهات المعنية، بما في ذلك المقاطعات الإقليمية، ومشغّلي الشبكات، والهيئات التنظيمية، وعدد من المنظمات الصناعية على مستوى هولندا.
وركّز البرنامج على تحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسة، أبرزها، فهم ما يحدث داخل الشبكات بصورة أعمق، وتسريع بناء امتدادات الشبكة، وتحسين استعمالها من خلال تعزيز الحلول الذكية.
كما تضمَّن البرنامج الهولندي مجموعة إجراءات لازمة لقياس كل هدف، مع متابعته عبر مجموعات عمل متخصصة مسؤولة عن التنفيذ والإبلاغ عن التقدم المُحرَز بصورة دورية، وهو نهج تعاوني شفّاف ترشّحه وكالة الطاقة الدولية للدول الأخرى التي تعاني المشكلة ذاتها.

وتعمل الهيئة التنظيمية الهولندية (ACM) في الوقت الحالي على زيادة صلاحيات مشغّلي الشبكات في استعمال الشبكة الحالية بكفاءة أكبر، من خلال إدخال تعرفات جديدة ونماذج عقود غير ثابتة لتحفيز المرونة وتقليل الاستهلاك خلال ساعات الذروة.
وفي ألمانيا، أطلقت الهيئة الاتحادية للشبكات مرحلة تجريبية لمدة عامين للأحمال القابلة للتحويل عبر برنامج “الاستعمال بدلًا من التقليص”، لتشجيع المستهلكين على استعمال فائض الكهرباء المتجددة بدلًا من إهدارها في خيار التقليص.
وخيار التقليص هو أحد الصلاحيات المتاحة لدى مشغّلي الشبكات -حاليًا- للتعامل مع مشكلة الازدحام، وذلك عبر طلب وقف إنتاج الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح لمدة أو تخفيضه، وهو ما يشتكي منه أصحاب المشروعات، لأنه يهدد اقتصاداتهم ويعرّضهم للخسارة.
على الجانب الآخر، طرحت ليتوانيا مفهومًا قانونيًا جديدًا “محطات الكهرباء الهجينة” في عام 2022، وهو نظام يسمح بربط مشروعات الطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح وتخزين البطاريات في صورة محطة طاقة هجينة واحدة، لتحقيق أقصى استفادة من الشبكة الحالية.
موضوعات متعلقة..
- تحول الطاقة في هولندا يواجه تحديات هيمنة الوقود الأحفوري وازدحام الشبكة (تقرير)
- كم تحتاج شبكات الكهرباء لاستيعاب متطلبات تحول الطاقة عالميًا؟ (تقرير)
- التوليد المتقطع للطاقة المتجددة معضلة للمنتجين والمستهلكين.. وهذه أبرز الحلول (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- مليون برميل نفط روسي جديدة تصل إلى سوريا.. ومصادر تكشف أين تذهب
- العراق يحدّد 4 دول لاستيراد الغاز المسال.. قطر والجزائر في المقدمة
- معدن الثوريوم ثروة نووية خفية.. ودولة عربية تسيطر على احتياطي كبير
- مبيعات السيارات التقليدية في الاتحاد الأوروبي قد تنخفض 57% خلال 2025
المصدر:
تحليل مشكلة ازدحام شبكات الكهرباء وآثارها من وكالة الطاقة الدولية
إقرأ: تفاقم ظاهرة ازدحام شبكات الكهرباء في هولندا وألمانيا.. ومبادرات تجريبية لحلّها (تقرير) على منصة الطاقة