تحول الطاقة في بريطانيا يكلّف أكثر من 297 مليار دولار.. من يحاسب الحكومة؟
واجهت خطة تحول الطاقة في بريطانيا انتقادات لاذعة؛ لتسببها في رفع فواتير الكهرباء على المواطنين، من أجل تحقيق هدف الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
وتزعم الحكومة البريطانية أن توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة سيكلّف المواطنين أقل من المصادر الأحفورية المتقلبة والملوثة؛ كون الرياح والشمس مصدرَيْن مجانيّيْن في الطبيعة، لكن تحليلًا حديثًا كشف عن أنها كبّدت المواطنين قرابة 220 مليار جنيه إسترليني (297 مليار دولار) على مدار عقديْن من الزمان.
*(الجنيه الإسترليني = 1.35 دولارًا أميركيًا)
ووقع المواطنون فريسة لروايات أغرتهم بانخفاض تكلفة كهرباء الطاقة المتجددة، وهو ما ثبت عكسه تمامًا، لينتهي المطاف بتوجيه أموالهم إلى الإعانات الخضراء، فضلًا عن دفع فواتير أعلى دون رقيب من وزارة الخزانة أو مكتب مسؤولية الخزانة.
وتحقيقًا لأهداف إزالة الكربون بالتحول عن الوقود الأحفوري، تدعم الدولة مشروعات الرياح والطاقة الشمسية من بين أخرى نظيفة، للوصول إلى هدف توليد 100% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول 2030، بحسب متابعات منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
تكاليف تحول الطاقة في بريطانيا
أجرت شركة الاستشارات “واط لوجيك” (Watt-Logic) تحليلًا لتكاليف تحول الطاقة في بريطانيا، وتحديدًا أسعار الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة.
وتوصل التقرير الذي اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة إلى أن الطاقة المتجددة ليست -ولن تكون- رخيصة مطلقًا، بما يبدد روايات قِيلت للمواطنين بأن الرياح والشمس مجانيتان.
وتجاهل أصحاب تلك الروايات حقيقة أن الآلات اللازمة لتوليد الكهرباء “أبعد ما تكون عن المجانية”، وباهظة الثمن إلى حد كبير من خلال إعانات الطاقة المتجددة ورسوم الشبكة.

ومن خلال رسوم الشبكة المضافة على فواتير الكهرباء، يدفع المواطنون تكاليف خطوط الكهرباء والمحطات الفرعية، وهي أقل في حالة محطات الغاز وأكثر في حالة مزارع الرياح.
وأشار -أيضًا- إلى اعتراف لجنة تغير المناح بعدم تحقيق وفورات مالية من تحول الطاقة، لحين انتهاء فترة ميزانية الكربون السابعة المستمرة بين عامي 2038 و2040، أي بعد نصف قرن من بدء إعانات الطاقة المتجددة في بريطانيا.
وبحسب ما جاء في التقرير الذي أعدّته الباحثة كاثرين بورتر، بعنوان “التكلفة الحقيقية للحياد الكربوني”، كانت آلية الالتزام بالطاقة المتجددة (RO) مسؤولة عن دعم بناء مزارع الرياح، قبل أن تتوقف عن تلقي طلبات جديدة، لكنها أضافت إلى فواتير الكهرباء مبلغ 7.8 مليار جنيه إسترليني.
أما نظام العقود مقابل الفروقات (CfD) فقد أضاف 2.3 مليار جنيه إسترليني إلى فواتير المواطنين.
وبحسب متابعات منصة الطاقة المتخصصة، تدعم تلك العقود أسعار الكهرباء المولدة من مصادر متجددة في العطاءات التي تقيمها الحكومة، بحيث تغطي فارق التكلفة عندما تنخفض أسعار بيع الكهرباء بالجملة عن الحد الأدنى، أما إذا ارتفعت الأسعار فإن المنتجين يدفعون ذلك الفارق إلى الحكومة.
وبسبب ذلك الدعم الحكومي، ارتفعت أسعار الكهرباء الموردة إلى المصانع لتكون الأعلى بين دول العالم المتقدم، والأكبر في الاتحاد الأوروبي، وأعلى 4 مرات من الولايات المتحدة.
ويصف ذلك أستاذ السياسات الاقتصادية في جامعة أوكسفورد ديتر هيلمؤ بـ”المؤسف”، محذرًا من أنه يؤدي إلى خروج الصناعات كثيفة استهلاك الكهرباء في بريطانيا من حلبة المنافسة العالمية.
دعم الطاقة المتجددة في بريطانيا
توصل التقرير إلى أنه لو لم تبدأ الحكومة برنامج تحول الطاقة في بريطانيا في عام 2006 إلى المصادر المتجددة لكان المواطنون قد وفّروا مبلغًا يقترب من 220 مليار جنيه إسترليني.
وفي العام المالي 2023-2024، تجاوزت التكاليف المباشرة للحياد الكربوني في قطاع الكهرباء أكثر من 17 مليار جنيه إسترليني، علاوة على تكاليف إضافية تكبّدها دافعوا فواتير الكهرباء.
ومن المتوقع أن يرتفع المبلغ إلى أكثر من 20 مليار جنيه إسترليني سنويًا بحلول العام المالي 2029-2030، ارتفاعًا من 5 مليارات فقط في عام 2014.
ويقول التقرير: “لم تختر المملكة المتحدة تقديم إعانات للطاقة المتجددة -فحسب-، وإنما فرضت رسومًا وضرائب أخرى تستهدف التشجيع على التحول بعيدًا عن الكهرباء كثيفة انبعاثات الكربون”.

وانتقد التقرير ذلك النهج بوصفه غير عملي في كثير من الأحيان، قائلًا إن الأسر والشركات تدفع ضرائب إضافية على فواتير الكهرباء دون أن تتلقى أي مكاسب مصاحبة، وهي خيارات سياسية واضحة مدفوعة بهدف الحكومة إلى تحقيق الريادة المناخية عالميًا.
كما اتهم الحكومة بتبديد مبالغ طائلة، بسبب سوء إدارة استثمارات الحياد الكربوني؛ إذ تُبنى مزارع الرياح عمدًا مع العلم بوجود قيود على الربط، ولا يصل كل إنتاجها من الكهرباء إلى الشبكة، وهو ما حدث مع مزرعة “سي غرين” (Seagreen) في عام 2024.
وفي هذه الحالة، يضطر مشغل الشبكة إلى دفع أموال المواطنين لتشغيل محطات توليد الكهرباء بحرق الغاز الطبيعي والدفع -أيضًا- إلى محطات الرياح لوقف إنتاجها.
ويمكن تقسيم المدفوعات التي تدعم تحول الطاقة إلى 3 أنوع:
– الأول يستهدف تدعيم الطاقة المتجددة، مثل الإعانات المختلفة وآلية سوق القدرات.
– الثاني للحرارة، مثل حافز الحرارة المتجددة، ورسوم الغاز الأخضر، وخصم تدفئة المنزل.
– الأخير يشمل برنامج كفاءة الطاقة ورسومًا على منتجي الكهرباء.
من يحاسب الحكومة البريطانية؟
يُثير الارتفاع المتزايد في تكلفة دعم تحول الطاقة في بريطانيا علامات استفهام حول وجود “تفويض ديمقراطي” بجمع كل تلك المبالغ التي يفهمها عدد قليل من المستهلكين من عدمه.
وتوضح ذلك الباحثة كاثرين بورتر بقولها إن تلك الإعانات لا تندرج تحت بند الضرائب، وإلا كانت قد خضعت للتدقيق من قِبل وزارة الخزانة ومكتب مسؤولية الموازنة والناخبين.
“لكن ميليباند (وزير الطاقة والحياد الكربوني الحالي) يأخذ تلك الإعانات من جيوب المستهلكين ويعطيها إلى منتجي الكهرباء دون حتى أن يحصل على موافقة على الفكرة خلال أي من الانتخابات”، بحسب ما قالته بورتر.
وبحسب متابعات منصة الطاقة المتخصصة، وعد الوزير بأن يؤدي تحول الطاقة إلى خفض فواتير الأسرة بمقدار 300 جنيه إسترليني، علاوة على تجنّب أزمة الطاقة التي أعقبت الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022 عندما انقطعت إمدادات الغاز المنقول عبر الأنابيب.
وهنا يقول الرئيس التنفيذي لشركة سنتريكا البريطانية (Centrica)، كريس أوشيا، إن التحول إلى الطاقة المتجددة لن يخفّض أسعار الكهرباء في بريطانيا عن المستويات الحالية، لكنه ربما يمنح استقرارًا للأسعار ويمنع الارتفاعات المستقبلية.
موضوعات متعلقة..
- تحول الطاقة في بريطانيا يعتمد على النفط والغاز والمصادر المتجددة (تقرير)
- تحول الطاقة في بريطانيا بحلول 2030 يتطلّب تقنين استهلاك الكهرباء (تقرير)
- خطط تحول الطاقة في بريطانيا تستهدف تركيب 155 غيغاواط من الكهرباء المتجددة (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- انهيار حصة تيسلا في سوق السيارات الكهربائية بأوروبا.. والسهم يتراجع
- إنتاج قطر من الغاز يصعد 2.2 مليار متر مكعب.. وهذه أرقام الصادرات
- طفرة التكرير في السعودية درع حماية في مواجهة انخفاض أسعار النفط
- الهيدروجين الأخضر في بريطانيا.. تقرير يرسم خريطة خروج القطاع من كبوته
المصدر:
إقرأ: تحول الطاقة في بريطانيا يكلّف أكثر من 297 مليار دولار.. من يحاسب الحكومة؟ على منصة الطاقة