تجارة النفط العالمية.. هل تشهد طفرة جديدة بفضل علاقات روسيا والهند؟ (مقال)
تترقّب تجارة النفط العالمية تطورات مهمة على ضوء العلاقات بين روسيا والهند، ويأتي ذلك في إطار تحول تاريخي تشهده ساحة الطاقة العالمية.
وقد أدى نظام العقوبات -الذي أعقب غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022 إلى تحول موسكو نحو آسيا، خصوصًا الهند- إلى إعادة تشكيل طرق الإمداد التقليدية، وفرض مواءمة جيوسياسية ستستمر طويلًا بعد انتهاء العقوبات الحالية.
وتتجه الهند، ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم، إلى أن تصبح أكبر محرك للطلب العالمي على النفط، بما يُنعش تجارة النفط العالمية.
ووفقًا لتقرير “توقعات تجارة النفط العالمية”، الصادر عن منظمة الدول المصدرة للبترول أوبك (OPEC)، فمن المتوقع أن ينمو الطلب الهندي على النفط من 5.3 مليون برميل يوميًا في عام 2023 إلى 13.3 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2050، بزيادة قدرها 150%، متجاوزًا جميع المناطق الأخرى.
توجيه صادرات النفط الروسية
أعلنت روسيا نيتها أن تصبح المورد الرئيس للنفط إلى السوق الآسيوية بحلول عام 2050، حسبما ذكر نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، لمجلة إنرجي بوليسي Energy Policy.
وقبل عام 2022، كانت صادرات النفط الروسية موجّهة بصورة كبيرة نحو أوروبا، التي كانت تمثّل أكثر من 50% من صادرات روسيا النفطية.
واشترت الهند ما بين 4 و4.5 مليون طن سنويًا فقط (ما بين 80 و90 ألف برميل يوميًا).
وبعد حظر الاتحاد الأوروبي النفط الخام الروسي (الذي دخل حيز التنفيذ في 5 ديسمبر/كانون الأول 2022)، أعادت موسكو توجيه صادراتها؛ إذ عرضت خام الأورال بخصومات كبيرة تتراوح بين 20 و30 دولارًا أميركيًا أقل من خام برنت، ما مكّن المصافي الهندية من الدخول في دورة مربحة للغاية.
بحلول عام 2024، كانت الهند تستورد ما بين 1.5 و2 مليون برميل يوميًا من النفط الروسي، أي ما يزيد على 80 مليون طن سنويًا، وما يقرب من 20% من إجمالي واردات الهند.
وبذلك، حلّت الهند محل موردي الخليج القدامى مثل المملكة العربية السعودية والعراق، الذين أعادوا توجيه صادراتهم لملء الفراغ الأوروبي الذي خلّفته روسيا.
وأدى تبادل الأسواق إلى إعادة هيكلة التدفقات العالمية، ليس على أساس الكفاءة، وإنما على ضوء الاعتبارات الجيوسياسية.
البنية التحتية وسلاسل التوريد
تعمل روسيا جاهدة على توسيع بنيتها التحتية اللازمة لتعزيز تجارة الطاقة مع آسيا:
- خط أنابيب شرق سيبيريا – المحيط الهادئ “إسبو”: ينقل هذا الخط، الذي يبلغ طوله 4 آلاف و740 كيلومترًا، أكثر من 1.6 مليون برميل يوميًا، مع فرع مباشر (سكوفورودينو – موخي) ينقل 30 مليون طن سنويًا إلى الصين. وينقل 10 ملايين طن سنويًا عبر قازاخستان.
- محطة ميناء كوزمينو: يمكن للمحطة الواقعة في أقصى شرق روسيا شحن 35 مليون طن سنويًا، مع توسيع قدرتها لتلبية الطلبَيْن الصيني والهندي.
- مشروع “إيسترن بوليغون دفلوبمنت”: يهدف هذا المشروع الضخم إلى زيادة إنتاجية السكك الحديدية الروسية من سيبيريا والشرق الأقصى، باستثمارات متوقعة تتراوح بين 80 و100 مليار دولار لتحسين صادرات الطاقة والمعادن إلى آسيا.
- تحديث المصافي: ستركّب روسيا 48 وحدة جديدة في مصافيها بحلول عام 2036 لزيادة إنتاج المنتجات الخفيفة إلى 72%، مما يدعم صادرات التكرير ذات القيمة الأعلى إلى شركاء مثل الهند.
- الاحتياطيات صعبة الاستخراج (HTR): يُصنّف أكثر من 60% من احتياطيات روسيا الآن على أنها مستنفدة أو صعبة الاستخراج. وتعمل الحكومة على إصلاح السياسات المالية لتحفيز التنمية، بهدف الحفاظ على إنتاج النفط عند 540 مليون طن سنويًا (نحو 10.8 مليون برميل يوميًا) حتى عام 2050.
- إستراتيجية الفحم والكهرباء: على الرغم من أن الهند تُخفّض وارداتها من الفحم، فإن روسيا تُخطّط لزيادة إنتاج الفحم من 443.5 مليون طن (2024) إلى 662 مليون طن بحلول عام 2050، مع استهداف قدرات جديدة في الشرق الأقصى لآسيا.
وفي مجال توليد الكهرباء، تُخطّط روسيا لتوليد 330 غيغاواط من القدرة المُركّبة بحلول عام 2050، بما في ذلك 30 غيغاواط من الطاقة النووية الجديدة و26 غيغاواط من مصادر الطاقة المتجددة.

قطاع التكرير في الهند
يشهد قطاع التكرير في الهند توسعًا ملحوظًا، بما في ذلك مجمع جامناغار التابع لشركة ريلاينس إندستريز (Reliance Industries): أكبر مصفاة في العالم (بسعة تقارب 1.2 مليون برميل يوميًا).
وعزّزت كل من شركات أويل إنديا كوربوريشن (IOC)، وبهارات بتروليوم (Bharat Petroleum)، ونايارا إنرجي (Nayara Energy) التابعة لشركة روسنفط الروسية (Rosneft) مشترياتها من النفط الخام الروسي بأسعار مخفضة.
وتُعد إستراتيجية اقتصادية وجيوسياسية في الوقت نفسه، فمن خلال تعميق علاقاتها في مجال الطاقة مع روسيا، مع الحفاظ على علاقاتها مع منتجي الخليج، والاستثمار في الطاقة الخضراء، تُعزز الهند خياراتها الإستراتيجية إلى أقصى حد.
ويضمن إدراج النفط الروسي في مزيج الطاقة الهندي استقرار الأسعار، وأمن الإمدادات، ونفوذًا في المفاوضات متعددة الأطراف (بما في ذلك ضمن إطار تحالف أوبك+، ومنظمة شنغهاي للتعاون، وبريكس).

مسارات تدفق النفط الروسي
يتفق الخبراء على أنه وسط تدفق بعض النفط الروسي إلى الأسواق الأوروبية بعد رفع العقوبات -نظرًا إلى انخفاض التكاليف اللوجستية وعودة القنوات السياسية- فمن غير المرجح أن يعود هيكل ما قبل عام 2022 بالكامل:
• تُثبّت إمدادات خط أنابيب شرق آسيا والمحيط الهادئ (ESPO) الصيني عبر خطوط الأنابيب والعقود طويلة الأجل (نحو 40- 50 مليون طن سنويًا)، دون أن تتأثر بالعقوبات.
• قد تتضمّن صفقات مصافي التكرير الهندية مع الموردين الروس (روسنفط، وسورغوت نفط غاز) خصومات مدمجة تتجاوز العقوبات.
• تُفضّل اقتصادات النقل العودة إلى الطرق الأقصر (مثل نوفوروسيسك إلى أوروبا)، مما يتطلب موازنة ذلك بمخاطر السمعة والعقود الآسيوية طويلة الأجل.
بالإضافة إلى ذلك، سيتقلّص أو يختفي خصم خام الأورال في حال رفع العقوبات، ما قد يُقلل من أرباح الهند الهائلة.
في المقابل، فإن الجمود الجيوسياسي، والبنية التحتية الراسخة، والمعايير التعاقدية الجديدة ستحد من هذا التراجع.
طبيعة علاقات الطاقة بين روسيا والهند
تتميّز علاقات الطاقة بين روسيا والهند بأنها تبادلية وهيكلية وإستراتيجية، ومن المرجح أن تدوم.
وتعيد هذه الشراكة رسم مسار تدفقات تجارة النفط العالمية، بل تُنشئ تكتلًا مرنًا للطاقة البديلة، قائمًا على أمن الإمدادات على المدى الطويل وتكامل البنية التحتية.
وبالنسبة إلى روسيا، تُمثّل الهند تحوّطًا أساسيًا ضد العزلة الاقتصادية، في حين تستفيد الهند من مزايا الأسعار وتنويع مصادرها.
ويُشكل البلدان نظامًا بيئيًا نفطيًا جديدًا مُركّزًا على آسيا، قائمًا على الخدمات اللوجستية، ومواءمة السياسات، والاعتماد المتبادل.

بالنسبة إلى الأسواق العالمية، فإن الآثار المترتبة على ذلك عميقة:
- سيتسارع التشعب الجيوسياسي لسلاسل توريد الطاقة، ما يُضعف سوق النفط العالمية المتكاملة ويُعزز مراكز التجارة الإقليمية.
- سيواجه منتجو الشرق الأوسط منافسة متزايدة في أسواقهم التقليدية، ما يُجبرهم على التنافس على الأسعار وتقديم شروط أكثر مرونة.
- ستجد شركات الطاقة والمؤسسات الغربية الكبرى نفسها مهمشة ما لم تُعِد مواءمة نفسها للتفاعل مع هذا التكتل الناشئ.
- ستفقد العقوبات فعاليتها بصفتها أداة سياسية إذا نضجت وتوطّدت أنظمة التجارة البديلة.
ومع دخول العالم عصر الجغرافيا السياسية للطاقة متعددة الأقطاب، فإن محور روسيا والهند يشكّل نموذجًا للمرونة، وإشارة إلى أن تدفقات الطاقة العالمية سوف تتبع المنطق السياسي بقدر ما تراعي الجاذبية الاقتصادية.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- هبوط تجارة النفط العالمية عبر مضيق باب المندب 50%.. قناة السويس الخاسر الأكبر
- حجم تجارة النفط العالمية قد يرتفع 12 مليون برميل يوميًا بحلول 2050
- حجم تجارة النفط العالمية ينتظر طفرة قوية بحلول 2025 (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- وكالة الطاقة الدولية ترفع توقعات الطلب على النفط في 2025 و2026
- أكبر 10 محطات كهرباء في الوطن العربي.. قدرات عملاقة تتقاسمها 5 دول (صور)
- زيارة ترمب للسعودية.. خبراء يرصدون أهم الاتفاقيات وتجربة مريرة للمملكة
إقرأ: تجارة النفط العالمية.. هل تشهد طفرة جديدة بفضل علاقات روسيا والهند؟ (مقال) على منصة الطاقة