انخفاض إيرادات النفط والغاز الروسية يضغط على اقتصاد موسكو (مقال)
يفرض انخفاض إيرادات النفط والغاز الروسية ضغوطًا متزايدة على اقتصاد البلاد، الذي تأثر بالعقوبات الغربية المتتالية.
ويشهد الاقتصاد الروسي، الذي يعتمد بشكل كبير على صادرات الهيدروكربونات، ضغوطًا متزايدة مع انخفاض إيرادات النفط والغاز بسبب العوامل الاقتصادية الخارجية، والتطورات الجيوسياسية، وضعف هيكلي داخلي.
ويشير الشهران الأولان من عام 2025 إلى انخفاض بنسبة 3.7% على أساس سنوي في إيرادات النفط والغاز الروسية، ليصل إلى 1.56 تريليون روبل (17 مليارًا و160 مليون دولار).
وعلى الرغم من أن إيرادات النفط والغاز الروسية لا تزال أعلى من مستواها الأساسي؛ فقد حذّرت وزارة المالية الروسية من أن الانخفاضات المستقبلية ترجع على الأرجح إلى ضعف ديناميكيات الأسعار العالمية والقيود الخارجية.
(الروبل الروسي = 0.011 دولارًا)
انخفاض إيرادات النفط والغاز الروسية
بحلول نهاية عام 2024، بلغت إيرادات النفط والغاز الروسية 11.13 تريليون روبل، متجاوزةً رقم عام 2023 البالغ 8.82 تريليون روبل، ولكنها أقل بقليل من ذروتها في عام 2022 البالغة 11.57 تريليون روبل.
رغم ذلك؛ فإن النظر عن كثب إلى بيانات أوائل عام 2025 يرسم صورة أكثر إثارة للقلق.
وانخفضت إيرادات النفط والغاز الروسية في فبراير/شباط الماضي إلى 771 مليار روبل، مسجلةً انخفاضًا بنسبة 2.5% مقارنةً بشهري يناير/كانون الثاني الماضي وديسمبر/كانون الأول 2024.
وعلى أساس سنوي، تُثير الأرقام قلقًا أكبر؛ حيث سجّلت انخفاضًا لافتًا بنسبة 18% مقارنةً بشهر فبراير/شباط 2024.
وخلال الشهرين الأولين من عام 2025، خسرت الحكومة الروسية 60 مليار روبل من إيرادات النفط والغاز مقارنةً بالمدة نفسها من عام 2024.

من أكبر المخاوف انهيار نموذج الإيرادات الضريبية في روسيا؛ فعادةً ما كانت إيرادات الضرائب في فبراير/شباط تتجاوز إيرادات يناير/كانون الثاني بسبب ارتفاع معدلات الضرائب.
وتغير هذا النمط في عام 2025؛ فقد وصلت ضريبة استخراج المعادن، التي كثيرًا ما شكّلت ركيزةً ماليةً رئيسة، إلى حدها الأقصى، ما حال دون أي زيادات إضافية.
وفي الوقت نفسه، حصلت شركة غازبروم الروسية (Gazprom) على إعفاء ضريبي بقيمة 600 مليار روبل؛ ما قلل من حصيلة الضرائب الحكومية.
وعلى الرغم من أن السلطات حاولت تعويض هذه الخسارة في إيرادات النفط والغاز الروسية، برفع ضرائب أخرى، فقد ظل العجز قائمًا.
الإعانات الحكومية لصناعة الوقود
من المفارقات أنه حتى مع تقلص تحصيل إيرادات النفط والغاز الروسية، تتزايد الإعانات الحكومية لصناعة الوقود.
وقد وصلت آلية التثبيط، المصممة لتثبيت أسعار الوقود المحلية، إلى مستويات غير مسبوقة.
في فبراير/شباط 2025 وحده، أنفقت الحكومة الروسية 148.3 مليار روبل على هذه الآلية -أي ما يعادل خُمس إجمالي إيرادات النفط والغاز الروسية- ما أدى إلى خلق حلقة مالية تُعاد فيها استثمارات أموال الدولة بسرعة في الصناعة دون تحقيق ربح مالي صافٍ.
ونتيجة لازدياد هذه الضغوط الداخلية، يواجه قطاع النفط والغاز الروسي تحديات خارجية جسيمة.
العقوبات تستهدف صادرات النفط الروسية
لا تزال العقوبات تُشكّل عائقًا رئيسًا؛ حيث فرضت الولايات المتحدة حزمة جديدة من العقوبات في يناير/كانون الثاني 2025، استهدفت صادرات النفط الروسية، وما يُسمى بأسطول الظل، والشركات التجارية المتورطة في التحايل على القيود السابقة.
وأعقب ذلك حزمة العقوبات الـ16 التي فرضها الاتحاد الأوروبي في فبراير/شباط، التي فرضت قيودًا إضافية على نقل النفط الخام الروسي، وحظرت التخزين المؤقت للنفط الروسي داخل الاتحاد الأوروبي.
إضافةً إلى هذه القيود، أسهم سعي الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لخفض أسعار الهيدروكربونات العالمية في تسريع انخفاض أسعار النفط العالمية.

انخفاض أسعار النفط
خلال الأشهر القليلة الماضية، انخفضت أسعار النفط من 78-79 دولارًا للبرميل إلى 70 دولارًا للبرميل، وهو تحول أثّر بشكل مباشر في إيرادات روسيا.
وعند انخفاض أسعار النفط العالمية إلى ما دون 60 دولارًا للبرميل؛ فقد يُتداول الخام الروسي -المبيع حاليًا بخصم- بسعر يتراوح بين 40 و50 دولارًا للبرميل؛ ما قد يُسبب أزمة مالية شاملة للكرملين.
وما زاد الأمور تعقيدًا ارتفاع قيمة الروبل الروسي بشكل غير متوقع؛ ما يُقلل من قيمة النفط المُقوّم بالروبل. نظريًا، كان من المفترض أن يضعف الروبل في ظل انخفاض إيرادات النفط والغاز الروسية.
لكن حدثًا مضاربيًا غير متوقع في السوق -ناجمًا عن “مكالمة هاتفية” غامضة في 12 فبراير/شباط الماضي- دفع المستثمرين إلى التسرع في شراء الأصول الروسية؛ ما غيّر الاتجاهات الاقتصادية التقليدية.
ونظرًا إلى المستقبل، تواجه روسيا عتبة مالية خطيرة؛ حيث تفترض الموازنة الفيدرالية لعام 2025 متوسط سعر للنفط يبلغ 69.7 دولارًا للبرميل، إلا أن الأسعار الحالية تقترب من هذا المستوى بشكل خطير.
وفي حال استمرار انخفاضها، ستُجبر روسيا على الاعتماد بشكل أكبر على صندوق الرفاه الوطني (NWF) لسد عجز الموازنة.

في هذا الإطار، حذّر المحلل إيغور يوشكوف من أن بقاء سعر النفط دون 60 دولارًا للبرميل سيدفع روسيا إلى استنزاف سريع لاحتياطياتها السائلة، التي تُقدر حاليًا بما يتراوح بين 1.5 و2 تريليون روبل.
وفي حال استمرت أسعار النفط في الانخفاض؛ فقد يُستنفد صندوق الرفاه الوطني بحلول أوائل عام 2026، ما سيُجبر الكرملين على مدة من تخفيضات الإنفاق المؤلمة.
العمل ضمن تحالف أوبك+
حاولت روسيا التخفيف من حدة هذه الأزمة من خلال العمل ضمن تحالف أوبك+، الذي حافظ على تخفيضات طوعية في الإنتاج قدرها 2.2 مليون برميل يوميًا منذ أوائل عام 2024.
رغم ذلك؛ فقد نشأت مشكلات تتعلق بالامتثال داخل التحالف. في يناير/كانون الثاني 2025، خفضت روسيا الإنتاج بمقدار 27 ألف برميل يوميًا فقط، متجاوزة التزامها بأوبك+ بمقدار 1000 برميل يوميًا، في حين فشل العراق وقازاخستان في تحقيق أهداف خفض الإنتاج لديهما.
ومع الخروج التدريجي من تخفيضات إنتاج أوبك+ المقرر في أبريل/نيسان 2025، قد تواجه السوق قريبًا مشكلة زيادة العرض؛ ما يضع ضغوطًا هبوطية إضافية على الأسعار.
وما يفاقم مشكلات روسيا، أن الهند -أحد أكبر مشتري الطاقة من روسيا- تعمل على تنويع مصادرها للطاقة. ارتفعت واردات الهند من الغاز المسال بنسبة 26% في عام 2024، لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 27.869 مليون طن.
وحصلت البلاد على معظم احتياجاتها من الغاز المسال من قطر (41%) والولايات المتحدة (19%) والإمارات العربية المتحدة (11%)، مع أداء الغاز المسال الروسي دورًا ضئيلًا في المبيعات المباشرة.
في ديسمبر/كانون الأول 2024، لم تتلقَّ الهند أي شحنات مباشرة من الغاز المسال من روسيا، واعتمدت بدلًا من ذلك على صفقات المبادلة مع شركة غازبروم للتسويق والتجارة، وبدأت واردات الهند من النفط الخام من روسيا في الانخفاض.
وبعد الحزمة الأخيرة من العقوبات الأميركية في أوائل عام 2025، استوردت الهند 1.67 مليون برميل فقط يوميًا في يناير/كانون الثاني، بانخفاض قدره 6.7% عن متوسطات عام 2024، و1.46 مليون برميل يوميًا في فبراير/شباط، مسجلةً انخفاضًا حادًا بنسبة 18.4%.
ونتيجة لتعطيل العقوبات الغربية للصادرات النفطية الروسية، بدأت الهند في زيادة مشتريات النفط من الموردين في الشرق الأوسط، خصوصًا الإمارات العربية المتحدة؛ ما يشير إلى التخلي عن الاعتماد على الطاقة الروسية.
في غضون ذلك، تبرز تحديات إضافية داخل روسيا نفسها، فالبنية التحتية القديمة لأنابيب النفط في البلاد تتطلب نفقات صيانة متزايدة، في حين تفرض الحكومات الإقليمية بالمناطق المنتجة للنفط ضرائب جديدة ومكررة على شركات الطاقة.
وهذا يخلق بيئة تنظيمية وضريبية تكافح العديد من شركات النفط للتعامل معها.
وقد بدأت بعض الشركات في التحول إلى معاملات متعددة العملات، باستعمال مزيج من الروبل والدولار واليورو واليوان للتحوط من التقلبات الاقتصادية.
وقد خلقت هذه المناورات المالية تحديات إضافية للسلطات الضريبية الروسية، التي تجد صعوبة متزايدة في تتبع تدفقات الإيرادات الحقيقية لشركات الطاقة.
قطاع النفط والغاز في روسيا يقترب من منعطف حرج
تشير هذه العوامل مجتمعة إلى أن قطاع النفط والغاز في روسيا يقترب من منعطف حرج.
في المقابل، فإن التقارب المتزامن لانخفاض الإيرادات وقيود السوق الخارجية والضغوط المالية الداخلية يدفع روسيا نحو مدة من الضبابية المالية الخطيرة.
وفي حال استمرت أسعار النفط في مسارها الهبوطي؛ فقد تُجبر روسيا على إجراء تخفيضات حادة في موازنتها بحلول عام 2026.
وسيُضيّق الاستنزاف الوشيك لصندوق الرفاه الوطني الخناق على روسيا أمام خيارات محدودة؛ ما سيُجبر الحكومة إما على تنفيذ إصلاحات اقتصادية جذرية وإما المخاطرة بعجز موازنة متزايد قد يُهدد الاستقرار المالي.
ومع سعي الهند لتنويع مصادر الطاقة، وتشديد العقوبات الغربية، ومعاناة أوبك+ من أجل استقرار الإنتاج، يواجه النموذج الاقتصادي الروسي المعتمد على الطاقة أزمة وجودية.
وستُحدد الأشهر المقبلة ما إذا كان الكرملين سيتمكن من تجاوز هذه التحديات بنجاح، أم أن مدة من الضائقة الاقتصادية المطولة أمرٌ حتمي.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- إيرادات النفط والغاز الروسية.. ظلال قاتمة تحيط باقتصاد موسكو (مقال)
- إيرادات النفط والغاز الروسية تتجاوز أرقام 2023.. ماذا بعد؟ (مقال)
- إيرادات النفط والغاز الروسية في 2024.. قد ترتفع ولكن! (مقال)
اقرأ أيضًا..
- بطارية نووية يمكنها العمل 100 عام دون شحن.. ما قصتها؟
- روسيا تطور 8 مفاعلات نووية لإنعاش أسطول بديل لقناة السويس
- بطاريات الجاذبية.. هل تكتب “شهادة وفاة” أنظمة الليثيوم أيون؟
إقرأ: انخفاض إيرادات النفط والغاز الروسية يضغط على اقتصاد موسكو (مقال) على منصة الطاقة