السيارات الكهربائية في الأردن.. دراسة حديثة ترصد أبرز التحديات
نجح الأردن في تحقيق الريادة الإقليمية بقطاع السيارات الكهربائية في منطقة الشرق الأوسط؛ نتيجةً للسياسات الاقتصادية والوعي البيئي المتزايد.
وشكّلت المركبات الكهربائية أكثر من 45% من إجمالي مبيعات السيارات الجديدة في المملكة مع نهاية عام 2023، وهي النسبة الأعلى في الشرق الأوسط، وفقًا لدراسة أردنية حديثة اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
وكشفت الدراسة، التي أجراها الأستاذ المشارك في كلية الهندسة بالجامعة الأردنية وجامعة الحسين التقنية الدكتور حسام جهاد خصاونة، عن أن عدد السيارات الكهربائية المسجلة قد قفز من 900 مركبة في عام 2016 إلى 110 آلاف بحلول الربع الأول من عام 2024.
إلا أن التحول السريع في قطاع السيارات الكهربائية قد كشف عن فجوات في البنية التحتية وتحديات مالية ومعضلات سياسية، وفقًا للخصاونة.
السيارات الكهربائية في الأردن
استعرض الدكتور حسام جهاد خصاونة -في دراسة بعنوان “ثورة السيارات الكهربائية في الأردن.. موازنة بين النمو والتحديات والاستدامة”- تحليلًا لرحلة المملكة مع المركبات الكهربائية، وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية، والمسار المستقبلي لهذا القطاع المهم.
ولفت خصاونة إلى أن هناك 3 عوامل قد أدّت دورًا مهمًا في نمو سوق السيارات الكهربائية في الأردن؛ وهي:
1- الحوافز الضريبية وتوفير التكاليف:
قال خصاونة إن الحكومة الأردنية قد دفعت عجلة تبني المركبات الكهربائية عبر خفض رسوم الاستيراد إلى 10%، مقارنة بـ55% للمركبات الهجينة، و86% للسيارات التقليدية.
وأضاف أن ارتفاع أسعار الوقود -التي بلغت نحو 1.10 دينارًا/لتر (1.55 دولارًا أميركيًا) في 2024، قد جعلت المركبات الكهربائية خيارًا اقتصاديًا جذابًا.
(الدينار الأردني = 1.41 دولارًا أميركيًا)
وتابع أن تكلفة التشغيل السنوي لسيارة بي واي دي “BYD” الكهربائية، على سبيل المثال، أقل بنسبة 20% من نظيرتها العاملة بالبنزين.
2- الأسعار المعقولة للواردات الصينية
لفت الدكتور حسام خصاونة إلى أن الشركات الصينية مثل بي واي دي “BYD” وجيلي “Geely” و إم جي”MG” تهيمن على سوق السيارات الكهربائية في الأردن، بعروض تبدأ أسعارها من 15 ألف دينار أردني (21 ألف دولار أميركي).

وأشار إلى أن الشركات الصينية الـ3 استحوذت على 70% من واردات السيارات الكهربائية في عام 2023، مستفيدةً من اتفاقيات التجارة الحرة ودور الأردن بمثابة مركز لإعادة التصدير في المنطقة.
3- الالتزامات البيئية
أوضح خصاونة أن التوجه نحو المركبات الكهربائية يتماشى مع الإستراتيجية الوطنية للطاقة التي تستهدف رفع مساهمة الطاقة المتجددة إلى 50% وخفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 31% بحلول 2030.
التحديات الاقتصادية
قال الدكتور حسام خصاونة -خلال تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة- إن التوسع في قطاع السيارات الكهربائية في الأردن لا يزال يواجه عدة تحديات؛ أبرزها عدم وجود بنية تحتية كافية لمواكبة الطلب المتزايد.
وأضاف أن عدد محطات الشحن العامة في الأردن بلغ 350 محطة فقط بحلول منتصف 2024، مقارنة بالحاجة إلى ما يقارب 1500 محطة.
وتابع أن المناطق الريفية تعاني نقصًا حادًا في محطات الشحن الكهربائي؛ ما يعوق السفر لمسافات طويلة.
واستطرد قائلًا: “على الرغم من تخطيط الحكومة لتركيب 500 محطة بحلول 2025؛ فإن دور القطاع الخاص يظل محدودًا”.
كما يؤثر قلق المستهلكين من عمر البطاريات وندرة مراكز الصيانة في إقبالهم على شراء السيارات الكهربائية.
وتشهد شبكة الكهرباء الأردنية، رغم تحسنها، ضغوطًا خلال أوقات الذروة، في حين يتطلّب شحن المركبات الكهربائية استقرارًا في الشبكة؛ ما يستلزم استثمارات بقيمة 600 مليون دولار لتحديث الشبكات بحلول 2030، وفقًا لوزارة الطاقة.
تبعات التحول السريع
شكَّل التحول السريع نحو السيارات الكهربائية في الأردن تحديًا اقتصاديًا غير مسبوق، تمثل في تراجع الإيرادات الحكومية من ضرائب الوقود التقليدي، والتي تُعد عصبًا لتمويل الخزينة العامة بقيمة تزيد على ملياري دولار سنويًا.
فمع انخفاض استهلاك المشتقات النفطية بنسبة 4% خلال الربع الأول من عام 2023 (ليصل إلى 911.8 مليون لتر مقارنة بـ952 مليون لتر في المدة ذاتها من 2022)، وتراجع مبيعات بنزين أوكتان 90 بنسبة مماثلة (إلى 385.5 مليون لتر)، بدأت الحكومة تدرك تداعيات نجاح سياستها في تشجيع المركبات الكهربائية على استقرارها المالي.
أوضح خصاونة -في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن الحكومة حاولت التغلب على هذا الواقع من خلال إطلاق سلسلة إصلاحات تنظيمية متلاحقة عام 2024.
بدأت الإصلاحات بتشديد مواصفات استيراد السيارات الكهربائية في يونيو/حزيران 2024؛ إذ فُرضت مطابقتها للمعايير الأوروبية والأميركية الصارمة، وحظرت دخول أي مركبة لا تلبي هذه الشروط.
ولفت خصاونة إلى أنه على الرغم من أن القرار هدف إلى ضمان جودة السيارات وحماية المستهلك؛ فإنه أثار جدلًا واسعًا بين المستوردين، الذين حذّروا من ارتفاع الأسعار وتقلص الخيارات المتاحة، خاصة للفئات محدودة الدخل التي تعتمد على الموديلات الصينية الأرخص.
ضرائب متدرجة
أدّى التوسع في السيارات الكهربائية إلى ظهور تحدٍّ كبير تمثل في تراجع الإيرادات الضريبية، ولمواجهة التحدي فرضت الحكومة في سبتمبر/أيلول 2024 ضرائب متدرجة على السيارات الكهربائية، تتراوح بين 10% للمركبات الأقل من 10 آلاف دينار (14.110 ألف دولار)، و55% للفئات الفاخرة فوق 25 ألف دينار.
وأدى القرار إلى انخفاض مبيعات السيارات متوسطة السعر بنسبة 18% خلال الربع الرابع من 2024، وفقًا لغرفة تجارة عمان، ما دفع الحكومة لتعديل السياسة بعد شهرين عبر خفض الضريبة 50% مؤقتًا، وإعفاء السيارات المخزنة قبل القرار.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2024، أُعلنت آلية تدريجية لتطبيق الضريبة خلال 3 أعوام في المدة من 2025 حتى 2027، مع ربطها بالقيمة الجمركية بدلًا من سعة المحرك، لتحقيق عدالة بين ملاك السيارات التقليدية والكهربائية.
كما أقرت الحكومة نظام ترخيص جديدًا يعتمد على قيمة السيارة قبل الجمارك، مع خصم 20% للمركبات التي تجاوز عمرها 5 أعوام لتشجيع الاستدامة.
انتقادات وتحذيرات
واجهت الإصلاحات الحكومية انتقادات واسعة من خبراء الاقتصاد الذين حذروا من أن ارتفاع تكاليف السيارات الكهربائية قد يُبطئ وتيرة تبنيها، ويُقلص الإيرادات الضريبية على المدى الطويل.
وأشاروا إلى خطر تحول السوق نحو المركبات الفاخرة فقط؛ ما يُعمق الفجوة الاجتماعية.

وقدّمت الدراسة الأردنية عدة توصيات للتوسع بقطاع السيارات الكهربائية في الأردن مع تحقيق التوازن المطلوب وهي:
- تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص: لتعزيز البنية التحتية، مع الاستفادة من النموذج المغربي الذي أنشأ 1200 محطة شحن في عام 2023.
- تنويع الإيرادات: عبر فرض رسوم على المسافات المقطوعة، أو الاستفادة من أسواق اعتمادات الكربون العالمية.
- دمج الاقتصاد الدائري: عبر إعادة تدوير البطاريات، إذ تهدف أول منشأة أردنية هذا العام (2025) إلى تلبية 30% من الطلب المحلي.
وأوضح خصاونة أنه على الرغم من التحديات الحالية؛ فإن الإصلاحات الأردنية أظهرت مرونة في موازنة الاستدامة مع الاستقرار المالي، إلا أن نجاحها لا يزال مرهونًا بتعزيز الحوار مع القطاع الخاص.
ودعا إلى تطوير الحلول المبتكرة مثل التصنيع المحلي لحفظ ريادة الأردن الإقليمية في التنقل الأخضر دون إرهاق المواطن أو خزينة الدولة.
موضوعات متعلقة..
- تدشين أول محطة متخصصة لشحن السيارات الكهربائية في الأردن
- شحن السيارات الكهربائية في الأردن يشهد خطوة هي الأولى عربيًا
- حصة مبيعات السيارات الكهربائية في الأردن الأعلى بالشرق الأوسط
اقرأ أيضًا..
- حقل نفط احتياطياته تقترب من 3 مليارات برميل يتلقى صدمة
- العراق يتصدر أكبر 5 صفقات نفطية في فبراير 2025
- في دولة عربية.. حكاية 4 آبار مهدت الطريق لاكتشاف 267 مليار برميل نفط
- صادرات الغاز المسال الجزائري في فبراير تذهب إلى 3 دول فقط
إقرأ: السيارات الكهربائية في الأردن.. دراسة حديثة ترصد أبرز التحديات على منصة الطاقة