Categories
Uncategorized

التحوّل للمركبات الكهربائية: تفوق هندسيّ أم توجهٌ سياسيّ؟

التحول للمركبات الكهربائية

في الوقت الذي تعدّ فيه الطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة الخيار الأول من خيارات التحوّل نحو الطاقة النظيفة والمستدامة، يمكن القول أيضاً أن المركبات الكهربائية هي الأولوية القصوى والخيار الناجح في قطاع النقل والمواصلات و إن عارضَ ترامب هذا التحول!

كما لا يمكن اعتبار المركبات الكهربائية مجرّد موجة جديدة في الصناعة، بل  يصحّ القول أكثر أنها تصحيحٌ لمسارٍ تقنيّ بدأ منذ اختراع محرك الاحتراق الداخلي(ICE)، حيث كانت كفاءة الطاقة ثغرةً قاتلةً في هذا الاختراع. أما فيما يخص مصادر المعادن المستخدمة وارتفاع سعر البيع الرئيسي، فالعالم يشهد تقدّماً ملحوظاً في تجاوز هذه العقبات بقيادة الصين العظيمة.

والعالم العربي وإن بدأ متأخراً أو بدا متردداً في المضي قُدماً نحو هذا التحول، إلا أنه ترددٌ في السلّم الزمنيّ لا في اعتماد هذه التقنية، وذلك نظراً للحالة المتأخرة للبنية التحتية، وهو ما سيترتب عليه بالتأكيد تأخرٌ في اللحاق بركب الدول المتقدمة.

التحوّل ليس خياراً، بل مسألة كفاءة فيزيائية!

كثيراً ما يُنظر إلى التحول نحو المركبات الكهربائية على أنه قرار سياسي أو بيئي، لكن الحقيقة الهندسية تحسم الأمر: محركات الاحتراق الداخلي(ICE) تعاني من فجوة حرارية كارثية.

لماذا؟

على سبيل المثال، عند احتراق البنزين أو الديزل، يتم تحويل أقل من ٢٠٪ إلى ٣٠٪ من الطاقة الحرارية إلى طاقة ميكانيكية مفيدة، بينما تضيع ٧٠-٨٠٪  من هذه الطاقة على شكل حرارة مهدرة عبر العادم وأنظمة التبريد.

في المقابل، فإن المحركات الكهربائية تعمل بكفاءة تصل إلى ٨٥-٩٠٪، حيث يتم تحويل معظم الطاقة الكهربائية مباشرة إلى طاقة حركية، مع فقدان طفيف (ناتج عن مقاومة الأسلاك و نظام العاكس Inverter).

الفاقد من الطاقة في المركبات الكهربائية

الفاقد من الطاقة في مركبات محركات الاحتراق الداخلي (ICE)

وبعبارة أخرى، فإنك عندما تملأ خزان سيارتك البنزين بـ ١٠٠ ريال، فإن ٧٠ ريالاً منها تُحرق بلا فائدة بسبب الحرارة، بينما عند استخدامك للمركبات الكهربائية، فإن ٨٥ ريالاً تذهب مباشرة إلى تحريك العجلات.

ماذا يعني ذلك؟

هذا الفارق يعني شيئاً واحداً: كل لتر وقود يتم حرقه على الطرقات هو تبديدٌ مباشرٌ للطاقة وللدعم المادي الذي تقدمه الدول للوقود! ولذلك، تدرك الدول المنتجة للنفط قبل غيرها أن الاستمرار في استخدام الوقود الأحفوري في السيارات هو استنزافٌ غير منطقيّ لموردٍ يمكن استغلالهُ بطرق أكثر كفاءةً، مثل إنتاج البتروكيماويات أو الصناعات الثقيلة أو تصديره بأسعار أعلى بدلاً من حرقه في أنظمة منخفضة الكفاءة.

التكلفة التشغيلية: هندسة الاقتصاد قبل هندسة الطاقة

ومن منظورٍ اقتصاديّ صرف، وعند مقارنة تكلفة تشغيل المركبات الكهربائية بالمركبات المعتمدة على محركات الاحتراق الداخي، سنجد أنّ:

  • المركبات الكهربائية تستهلكُ ١٥-٢٠ كيلوواط ساعة لكل ١٠٠ كيلومتر، بينما تستهلك السيارة التقليدية ٧ لترات بنزين لنفس المسافة. عند حساب التكلفة، نجد أن تكلفة الكهرباء للمسافة نفسها أقل بنسبة ٥٠-٧٠٪ مقارنة بالبنزين، حسب تعرفة الكهرباء والوقود في كل بلد.

 الفرق في استهلاك الطاقة بين المركبات التقليدية والمركبات الكهربائية

  • نظرًا لأن المحرك الكهربائي لا يحتاج إلى زيوت تُبدّل بشكل دوري، ولا يحتوي على مكابس أو صمامات أو أنظمة تبريد معقدة، فإن تكاليف الصيانة السنوية للمركبات الكهربائية أقل بنسبة ٥٠-٦٠٪ مقارنة بمثيلاتها التقليدية.
  • نظام المكابح يستهلك في المركبات التقليدية طاقة حركية ضخمة يتم تبديدها كحرارة، بينما في المركبات الكهربائية يتم استعادة هذه الطاقة عبر نظام المكابح المتجدد (Regenerative Braking )، مما يزيد من عمر البطارية ويقلل الحاجة إلى استبدال المكابح بنسبة تصل إلى ٧٠٪.

    نظام الكبح المُجدّد في المركبات الكهربائية  (Regenerative Braking System)

أيهما الأفضل؟

من منظور كفاءة الطاقة، وتكلفة التشغيل، والصيانة، والاستدامة البيئية، فإن المركبات الكهربائية تتفوق على سيارات البنزين بفارق ضخم. رغم وجود بعض التحديات مثل البنية التحتية لشحن المركبات وأوقات الشحن الطويلة، إلا أن التطورات المستمرة في تقنيات البطاريات والشبكات الذكية تجعل التحول أمراً حتمياً وليس مجرد خيار.

المركبات الكهربائية ليست فقط حلاً مستداماً بيئياً، بل هي ثورة تقنية تُقدّم حلًّا لأقدم مشكلة في هندسة المحركات: كفاءة الطاقة. لذا فالسؤال اليوم في عالمنا العربي لم يعد ” هل ستحلُّ السيارات الكهربائية محل سيارات البنزين؟”، بل “متى سيحدث ذلك؟” ..

حول الخبير

أيمن باجابر مهندس كهربائي متمرس يتمتع بخبرة عميقة في مجالات البنية التحتية للمركبات الكهربائية، وكفاءة الطاقة، وتوزيع الطاقة ذات الجهد المنخفض. على مدى أكثر من عشر سنوات، عمل مع شركات عالمية رائدة مثل “شنايدر إلكتريك” و”ABB”، حيث راكم معرفة تقنية واسعة وخبرة تشغيلية متقدمة في قطاع الطاقة.

يشغل المهندس باجابر حالياً مدير المنتجات في شركة “إليكترومين ”  السعودية لحلول التنقل والمدن الذكية، حيث أسهم بشكل فعّال في وضع استراتيجيات تسويقية متقدمة وتطوير شراكات استراتيجية تعزز فرص البنية التحتية للمركبات الكهربائية في مختلف أنحاء المملكة العربية السعودية.

و بصفته قائداً للمشاريع، يشرف على الجوانب التقنية والتشغيلية للمبادرات، ويقود فريقه بروح تعاونية لتحديد متطلبات العملاء، وتصميم نماذج أعمال مبتكرة، وتقديم حلول متكاملة لشحن المركبات الكهربائية. يضمن التزام جميع الحلول التي يطورها بأعلى معايير الجودة، وبما يتوافق مع المواصفات الفنية وخصوصيات المواقع، مستنداً إلى تحليلات دقيقة ومدروسة.

خلال مسيرته المهنية، برز السيد باجابر بمهارات متعددة تشمل  صياغة الإجراءات، والتحليل الهندسي، وتطوير الأعمال. كما يتمتع بقدرات عالية في تخطيط وتنفيذ المشاريع، إلى جانب مهارات تواصل وعرض متميزة تمكّنه من التفاعل الفعّال مع العملاء وفرق الإدارة العليا على حد سواء.

ويُعدّ فهمه العميق للتحولات المتسارعة في مشهد الطاقة، ولا سيما في مجال البنية التحتية للمركبات الكهربائية، إضافة قيّمة تدعم جهود المملكة في تحقيق تحولها نحو مستقبل طاقي أكثر استدامة وابتكاراً.

تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد في مجال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية…

نتمنى لكم يوماً مشمساً!

The post التحوّل للمركبات الكهربائية: تفوق هندسيّ أم توجهٌ سياسيّ؟ appeared first on Solarabic سولارابيك. Written by خبراء الاستدامة