اتفاق الغاز المصري القبرصي تحول إستراتيجي ترقبه قوى عظمى.. ورسالة لـ”ترمب” (تحليل)
تجاوز اتفاق الغاز المصري القبرصي دوره الإيجابي في تنشيط العلاقات بمجال الطاقة بين الدولتين الجارتين، ليصل إلى عتبات الصعيد الجيوسياسي الشائك عالميًا.
واختارت قبرص مصر لاستغلال ما يُقدَّر بـ15 تريليون قدم مكعبة؛ كونها الوحيدة المالكة لمحطتَي إسالة بقدرة أكثر من 12 مليون طن، وذلك بموجب مذكرة تفاهم شهد توقيعها الرئيسان عبد الفتاح السيسي ونيكوس خريستودوليدس بالقاهرة في 17 فبراير/شباط الماضي (2025).
وفي بيان صحفي -حصلت منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)-، رأت الجارتان أن الاتفاق -فضلًا عن كونه يضع الأساس لإقامة مركز طاقة إقليمي- فإنه يعزز الاستقرار بالمنطقة والوضع الجيوسياسي للدولة الجزيرة الواقعة جنوبي أوروبا.
وبعيدًا عن البحر المتوسط، يمثّل توافق الهوى المصري القبرصي فرصة للتحول عن روسيا التي تستعمل مواردها من النفط والغاز سلاحًا في حربها على أوكرانيا، ليعزز تحالف الطاقة المناهض لموسكو بقيادة الغرب، ويقلل من نفوذ الصين، لكنه أثار غضب تركيا بسبب الحدود البحرية المشتركة.
اتفاق الغاز بين مصر وقبرص
تنصّ مذكرة التفاهم بين مصر وقبرص على إقامة خط أنابيب بحري يربط حقول الغاز القبرصية بمحطة الإسالة (تحويل الغاز إلى الحالة السائلة) في دمياط.
ويشمل ذلك حقل أفروديت باحتياطيات 4.5 تريليون قدم مكعبة، و”كرونوس” (Cronos)، و”زيوس” (Zeus)، و”كاليبسو” (Kalypso) باحتياطيات 2.5 و3.5 و6 تريليونات قدم مكعبة على الترتيب، إضافة للمربع رقم 6، بحسب متابعات منصة الطاقة المتخصصة لتفاصيل التعاون.
ويفتح الاتفاق الباب أمام دخول قبرص لنادي مصدري الغاز المسال وإعادة تصدير الإنتاج إلى أوروبا العطشى للإمدادات منذ توقُّف إمدادات الغاز الروسي في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط (2022).

ويرى الرئيس التنفيذي لشركة إيني الإيطالية كلاوديو ديسالزي أن اتفاق الغاز المصري القبرصي يُسهم في أمن الطاقة وتنافسية الإمدادات؛ إذ يستفيد من مرافق الإسالة والتصدير المصرية، ويعيد تأكيد دور البلدين في مركز الطاقة الصاعد بشرق المتوسط الذي “سيؤدي دورًا متزايدًا بإمدادات الغاز العالمية في المستقبل القريب”.
يُشار هنا إلى أن “إيني” تشغّل المربع رقم 6 في قبرص بنسبة 50% من الأسهم، علاوة على تشغيل المربع 8 وحصص أخرى في المربعين رقم 7 و11، وفي مصر تمتلك حصة 50% من أسهم محطة الإسالة في دمياط، فضلًا عن حصتها في حقل ظُهر (أكبر حقل غاز في مصر).
وتأكيدًا لتلك الأهمية، تقول الخبيرة بالشؤون السياسية الصحفية المقيمة في قبرص نيكوليتا كوروشي، إن التعاون المصري القبرصي في مجال الغاز بمثابة “تحول إستراتيجي” في منطقة شرق البحر المتوسط.
وفي مقالها المنشور بموقع منتدى الشرق الأوسط، قالت، إن الاتفاق أكثر من مجرد شراكات تجارية؛ كونه يمنح الاستقرار إلى تدفقات الطاقة بمنطقة البحر المتوسط، وتمنع المتخاصمين من إملاء شروطهم على مستقبل المنطقة.
وبناءً على ذلك، ستكون مكاسب الاتفاق كما يلي:
- يوطّد تحالف الطاقة بقيادة الغرب لمواجهة إثبات الذات التركي.
- يحدّ من النفوذ الروسي.
- يقيّد النفوذ الاقتصادي للصين.
تركيا
تسيطر تركيا على الجزء الشمالي من جزيرة قبرص منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث أسست جمهورية “شمال قبرص” التركية التي لا تعترف بها سوى أنقرة.
وبحسب متابعات منصة الطاقة المتخصصة لأنشطة الحفر في البحر المتوسط، عرقلت تركيا أعمال التنقيب عن الغاز في قبرص؛ إذ تزعم امتلاكها حقوقًا سيادية بحرية متداخلة.
وفي ضوء ذلك، فإن اتفاق الغاز المصري القبرصي عنصر محوري في النزاعات البحرية بشرق المتوسط، بحسب الكاتبة نيكوليتا كوروشي.
ونجحت قبرص في ترسيم الحدود مع مصر في عام 2003، وإسرائيل في 2010، ولبنان في 2007، بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، لكن تركيا ترفضها.
وفي ضوء ذلك، أعلنت تركيا أن اتفاق الغاز المصري القبرصي “باطل ولاغٍ”؛ كونه يهدد الاستقرار الإقليمي ويضرّ بمساعي البحث عن حل لمشكلة تقسيم قبرص إلى دولتين، وهو سيناريو تدعو إليه أنقرة.
ولم يقتصر الأمر عند ذلك الحدّ، بل لوّحت باستعمال القوة لعرقلة تنفيذ الاتفاق المصري القبرصي، وفق تقارير محلية تركية نقلًا عن مصادر لم تكشف هوياتهم.
و”تستهدف تركيا السيطرة على طرق التجارة الإقليمية”، بحسب نصّ المقال الذي استشهدت كاتبته بمحاولة إزالة الحدود البحرية بين اليونان وقبرص من خلال اتفاق بحري مع ليبيا يرجع تاريخه إلى عام 2019، في انتهاك صارخ لقواعد القانون الدولي.
لكن مصر ردّت بتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع اليونان في 2020، لتلغي بقوة القانون مزاعم أنقرة “التحريفية”.
وأضافت: “إنّ تدخُّل تركيا في أمن الطاقة الإقليمي ليس تحديًا قائمًا بذاته، بل هو جزء من إستراتيجية أوسع لإعادة تشكيل ديناميكيات القوة الإقليمية على حساب حلفاء الولايات المتحدة ومصالحها”.

الولايات المتحدة
وجّهت الكاتبة القبرصية نيكوليتا كوروشي دعوة إلى الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترمب لتعزيز التعاون المصري القبرصي في مجال الغاز، والنظر إليه بوصفه حجر أساس لإستراتيجيتها تجاه منطقة شرق المتوسط.
وأكّدت أنه إن لم يجرِ ذلك فإن “واشنطن ستترك فراغًا إستراتيجيًا ستستغلّه القوى المعادية، بما يُضعِف النفوذ الأميركي في المنطقة الحيوية لأمن أميركا ومصالحها الاقتصادية”.
يأتي ذلك وسط مساعي تركيا لبسط نفوذها على المنطقة واستعمال موسكو لموارد النفط والغاز بوصفها سلاحًا ضد أعدائها، كما حدث عندما انقطعت أواصر الغاز عن أوروبا، لتندلع أزمة طاقة مريرة في أوروبا بعد غزو أوكرانيا.
وبناءً على ما سبق، فإن اتفاق الغاز المصري القبرصي يتّسق مع أولويات أميركا الجيوسياسية، للأسباب التالية:
- محطات الإسالة المصرية سبيل موثوق بعيدًا عن روسيا لتصدير الغاز المسال القبرصي، وهو ما يتماشى مع هدف تقليل اعتماد أوروبا على موسكو، ويعزز أمن الطاقة عبر المحيط الأطلنطي.
- دعم محور الطاقة القبرصي المصري يُضعف قدرة تركيا على “التلاعب” بتدفقات الطاقة الإقليمية.
- من شأن الاتفاق المصري القبرصي أن يقلل نفوذ الصين المتزايد على الساحة الاقتصادية في الشرق الأوسط وأفريقيا.
ويمكن للولايات المتحدة التحرك من خلال الآتي:
- اتخاذ خطوات ملموسة لموجهة التدخل التركي عبر العمل مع الحلفاء الأوروبيين، لضمان الدعم السياسي وتنفيذ القانون البحري الدولي، وتقديم ضمانات أمنية لتنفيذ شراكة الطاقة المصرية القبرصية.
- تيسير استثمارات القطاع الخاص وآليات التمويل الإستراتيجي، لتوسيع نطاق مرافق البنية الأساسية للغاز في مصر وقبرص.
- حشد شركات الطاقة والمؤسسات التمويلية والحوافز الاستثمارية بما يضمن الجدوى طويلة الأمد لطرق الإمداد غير الروسية.
- تعزيز التعاون الأمني الإقليمي عبر الاستفادة من الشراكات بين أميركا ودول منتدى غاز شرق المتوسط، لتحسين التنسيق الأمني بشأن البنى الأساسية بما يدعم الاستقرار ومرونة إمدادات الطاقة بالمنطقة.
موضوعات متعلقة..
- مصر تبحث مع قبرص ممر الطاقة إلى أوروبا.. وحقلان يدعمان الاتفاق
- وزير البترول المصري يحدد 6 أولويات.. والمفاوضات مع قبرص
- موعد أول إنتاج غاز في قبرص عبر حقل ظهر المصري.. انتعاشة ضخمة
اقرأ أيضًا..
- حرائق السيارات الكهربائية تسبّب السرطان.. و5 معادن في قفص الاتهام
- أكبر مزرعة رياح بحرية عائمة في العالم تواجه عقبات
- تحميل شحنة نفط جزائرية نادرة.. أين ذهبت؟
المصادر:
إقرأ: اتفاق الغاز المصري القبرصي تحول إستراتيجي ترقبه قوى عظمى.. ورسالة لـ”ترمب” (تحليل) على منصة الطاقة