إنتاج الهيدروجين من المخلفات.. تقنية مصرية للاستفادة من الموارد المحلية
تبرز تقنيات إنتاج الهيدروجين بصفتها حلًا إستراتيجيًا متعدد الأبعاد في ظل التحول العالمي نحو مصادر الطاقة النظيفة، ليس فقط لتوفير بديل نظيف للوقود الأحفوري، وإنما أيضًا للتغلّب على تحديات بيئية محلية.
ومن هذا المنطلق، تتبنّى مصر توجهًا بحثيًا وتطبيقيًا واعدًا يستهدف إنتاج الهيدروجين من المخلفات الصلبة، وهو ما يُعدُّ تقنية مبتكرة لتحويل المواد العضوية والنفايات المهدرة إلى طاقة ذات قيمة مضافة.
وتقدّم الدراسة التي أجرتها الخبيرة أول في إدارة المخلفات الصلبة بمشروع إدارة تلوث الهواء والتغيرات المناخية في وزارة البيئة الدكتورة هبة زكي، خلاصة لرؤية علمية وتقنية حول الآفاق العملية لإنتاج الهيدروجين من المخلفات في مصر.
وتؤكد الدراسة -التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- أن إنتاج الهيدروجين من المخلفات الصلبة يمثّل فرصة حقيقية لمصر لمواجهة تحديات بيئية مزمنة، وتحقيق مكاسب اقتصادية في إطار التحول إلى الاقتصاد الأخضر.
وترى الدراسة أن هذه التقنية ليست فقط وسيلة للتخلص من النفايات، بل بوابة لتوليد طاقة نظيفة، وتعزيز الأمن الطاقي، وتوفير فرص عمل جديدة في قطاع ناشئ ومتنامٍ عالميًا.
تقنيات تحويل المخلفات
أوضحت الدراسة أن هناك طريقتَيْن أساسيتَيْن لإنتاج الهيدروجين من المخلفات وهما:
- العمليات الكيميائية الحرارية
تعتمد هذه العمليات على استعمال درجات حرارة مرتفعة لتكسير جزيئات المخلفات العضوية، وتشمل تقنيات مثل التغويز والتحلل الحراري، حيث تُسخّن المواد في بيئة فقيرة أو خالية من الأكسجين.
وتُنتج هذه العمليات خليطًا غازيًّا غنيًا بأول أكسيد الكربون والهيدروجين، تجري تنقيته لاحقًا للحصول على الهيدروجين النقي.
- العمليات البيولوجية
في هذه الحالة، تؤدّي الكائنات الحية الدقيقة دورًا محوريًا في تفكيك المواد العضوية ضمن ظروف لا هوائية، ما يُنتج غازات تشمل: الهيدروجين، والميثان، وثاني أكسيد الكربون، ومن أمثلتها عملية التخمير اللاهوائي.

وأوضحت الدراسة أن ناتج هذه العمليات يُسمّى “الهيدروجين الفيروزي”، وعرفت هذا النوع بأنه هيدروجين يُنتج عبر تحويل المخلفات العضوية إلى طاقة، بوساطة التحلل الحراري الذي يولّد خليطًا من الغازات من بينها الميثان والهيدروجين.
وتُجرى لاحقًا عمليات تنقية للحصول على الهيدروجين واستعماله بمثابة مصدر للطاقة.
خطوات متكاملة
تمر هذه التقنية عبر منظومة تحويل متكاملة، تبدأ من جمع المخلفات ومعالجتها، مرورًا بإنتاج الهيدروجين، وصولًا إلى تخزينه وتوزيعه، وتُنفّذ هذه الخطوات على النحو الآتي:
-
جمع المخلفات والمعالجة المسبقة
تشمل المخلفات: البلدية، والزراعية، ومخلفات الصناعات، وتُخضع هذه المواد إلى تنظيف مبدئي لإزالة الشوائب مثل المعادن والزجاج، وتقليل حجمها لتسهيل المعالجة.
-
التحويل الحراري أو البيولوجي
بناءً على طبيعة المخلفات، يجري اختيار طريقة التحويل:
- التحلل الحراري/التغويز: تُستعمل درجات حرارة مرتفعة لتحويل المواد إلى غاز اصطناعي قابل للاشتعال.
- الهضم اللاهوائي: يناسب المخلفات ذات الرطوبة العالية.
-
تنقية الغاز الاصطناعي
يخضع الغاز الناتج إلى عمليات تنقية متقدمة لإزالة ثاني أكسيد الكربون والشوائب.
-
فصل الهيدروجين وتنقيته
تُستعمل تقنيات مثل تحول الماء والغاز (Water-Gas Shift) مع التغيير بالضغط (PSA) لفصل الهيدروجين النقي من الغاز الاصطناعي.
-
تخزين الهيدروجين وتوزيعه
يُخزن الغاز المضغوط أو السائل وتوزيعه لاستعماله في التطبيقات الصناعية أو بمثابة وقود.
علاقة محتوى الرطوبة بتقنيات الإنتاج
أوضحت الدراسة أن محتوى الرطوبة في المخلفات يشكّل عاملًا حاسمًا في اختيار التقنية الأنسب، إذ تتناسب الرطوبة المنخفضة مع العمليات الحرارية مثل التغويز، في حين تُفضَّل الرطوبة العالية في العمليات البيولوجية مثل التخمير اللاهوائي.
وتشير التقديرات إلى أن المخلفات الصلبة البلدية في مصر تتميز بما يلي:
- نسبة عضوية مرتفعة بسبب كثرة النفايات الغذائية.
- محتوى رطوبة مرتفع يؤثر في خيارات المعالجة.
- معدل توليد مرتفع في المدن الكبرى.
وهذا يجعلها بيئة خصبة تقنيًا واقتصاديًا لاعتماد تقنية إنتاج الهيدروجين من النفايات.
واقترحت الدراسة لنجاح هذه التقنية تطوير عناصر البنية التحتية الحيوية، ومنها: وضع أنظمة جمع وفرز فاعلة تضمن وصول المخلفات العضوية إلى المرافق، وتخصيص شبكات لنقل المخلفات من مصادرها إلى مواقع المعالجة.
بالإضافة إلى تأسيس بنية تحتية لتخزين الهيدروجين وتوزيعه بأمان وكفاءة.
اختيار التقنية المناسبة
لفتت الدراسة إلى أن هناك نوعين من التقنية لإنتاج الهيدروجين من المخلفات، ولا بد من اختيار النوع المناسب وفقًا للظروف المتاحة كما يلي:
- التغويز الحراري: مناسب للمخلفات الجافة والمختلطة، لكن يتطلّب تجفيفًا مسبقًا.
- الهضم اللاهوائي: يُفضّل في حال المخلفات العضوية ذات الرطوبة العالية، ويُنتج غازًا حيويًا يمكن تحويله لاحقًا إلى هيدروجين.
ورأت الدراسة أن مصر لا بد أن تتّجه إلى التوسع في تقنية إنتاج الهيدروجين من المخلفات لعدة أسباب أبرزها: الزيادة المطردة في توليد النفايات مع غياب إدارة فاعلة، وما يترتب على ذلك من مخاطر بيئية وصحية مثل تلوث المياه والهواء.
ولفتت إلى أن هذه التقنية يمكنها أن توفّر حلًا عمليًا لإنتاج طاقة نظيفة تقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري، بجانب توفير وظائف خضراء في جمع النفايات وتشغيل المصانع، وتحسين الصورة البيئية للمدن السياحية.
إلا أن الدراسة حذرت من أن التوسع في هذه التقنية يواجه عدة تحديات مثل: نقص مرافق المعالجة الحديثة، وغياب مطامر صحية كافية، والحاجة إلى تمويل مناخي مستدام لدعم البنية التحتية.
موضوعات متعلقة..
- إنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر.. سكاتك النرويجية تؤجل مشروعًا مهمًا
- إنتاج الهيدروجين الأخضر من مياه البحار والمحيطات.. تقنية مصرية واعدة
- إنتاج الهيدروجين من نفايات البلاستيك.. ابتكار جديد
اقرأ أيضًا..
- إنتاج مصر من النفط الخام يهبط لأقل مستوى في 50 عامًا
- أكبر مصفاة نفط في أفريقيا تشتري 9 ملايين برميل من أميركا خلال شهر
- أبرز 5 مناجم في المغرب.. هيمنة للفوسفات
- مخزونات النفط الأميركية ترتفع 1.3 مليون برميل عكس التوقعات
إقرأ: إنتاج الهيدروجين من المخلفات.. تقنية مصرية للاستفادة من الموارد المحلية على منصة الطاقة