أمن الطاقة في أفريقيا.. الوقود الأحفوري والمصادر المتجددة يلبيان احتياجات القارة (تقرير)
يُعَد الوقود الأحفوري والمصادر المتجددة من أبرز العوامل التي تعزز أمن الطاقة في أفريقيا؛ لأن القارة السمراء تتمتع بموارد كبيرة وسط حاجتها إلى تنمية المناطق المحرومة من الكهرباء.
في مسيرة تحقيق الحياد الكربوني، يُعَد استعمال الفحم مصدر قلق كبيرًا بسبب انبعاثاته الكثيفة، بحسب متابعات منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) لتحديثات القطاع.
بدورها، تُشيطن الدول الصناعية الفحم لآثاره البيئية السلبية: يُطلق احتراق الفحم ملوثاتٍ مرتبطةً بالضباب الدخاني وأمراض الجهاز التنفسي، من ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت إلى أكاسيد النيتروجين إلى الزئبق والرصاص.
من ناحيةٍ أخرى، يُعدّ الفحم مصدرًا وفيرًا للوقود، وهو غير مُكلفٍ لإنتاجه وتحويله إلى كهرباء، ولا تزال دولٌ حول العالم تعتمد عليه؛ إذ يحقق جزءًا من أمن الطاقة في أفريقيا.
اعتماد جنوب أفريقيا على الفحم
بُني نظام شبكة الكهرباء في جنوب أفريقيا، على الفحم، ويشير تقرير غرفة الطاقة الأفريقية الجديد “حالة الطاقة في جنوب أفريقيا” إلى أن البلاد تعتمد حاليًا على الفحم لتوليد 80% من كهربائها.
وعلى الرغم من تفهم المخاوف البيئية المتعلقة باستعمال الفحم؛ فلا ينبغي أن تُملي هذه المخاوف وحدها قرارات جنوب أفريقيا بشأن الطاقة، بوصفها جزءًا من أمن الطاقة في أفريقيا.
ويُعد اتخاذ جنوب أفريقيا قرارًا إستراتيجيًا وتدريجيًا بالتخلي عن الفحم أمرًا منطقيًا، ولكن التوقف المفاجئ عن استعماله في هذه المرحلة سيضرّ بالبلاد وشعبها.

وكان وزير الطاقة الأميركي كريس رايت، مُصيبًا عندما انتقد الدول الغربية، وحتى النخبة الأفريقية، لترويجهم دون خجل لفكرة أن الفحم ضارٌّ، ودعوتهم إلى عدم تطويره.
وقال رايت: “لقد غيّر الفحم عالمنا وجعله أفضل، وأطال متوسط العمر المتوقع، وزاد من الفرص، وسيصبح هذا الوقود أكبر مصدر للكهرباء عالميًا لعقود مقبلة”.
واقع الفحم في جنوب أفريقيا
على الرغم من الدور المهم الذي يؤديه الفحم في جنوب أفريقيا؛ فإن تقرير غرفة الطاقة الأفريقية يتوقع انخفاضًا في الاستعمال المستهدف، ولكنه سيكون بطيئًا ومطردًا.
بحلول عام 2030، من المتوقع أن ينخفض استعمال الفحم من 80% الحالية، ولكنه سيظل حول 65%. من الواضح أن هذا سيظل يُمثل جزءًا كبيرًا من إجمالي توليد الكهرباء في البلاد.
وقد يعترض دعاة حماية البيئة على هذه الأرقام، لكنها تعكس واقع جنوب أفريقيا على أرض الواقع.
وعلى الرغم من أن مصادر الطاقة المتجددة (مثل الطاقة الشمسية الكهروضوئية، الطاقة الشمسية الحرارية، طاقة الرياح البرية، الطاقة الكهرومائية، الطاقة الحيوية) بدأت تترك بصمتها في جنوب أفريقيا؛ فإنها تُستعمل حاليًا بنسبة 10% فقط من إجمالي توليد الكهرباء.
وبحلول عام 2030، يتوقع تقرير الغرفة أن تُمثل مصادر الطاقة المتجددة على الأرجح 25% من إجمالي الكهرباء المُولّدة، بما يحقق أمن الطاقة في أفريقيا.
ولا تقتصر قيمة الفحم لجنوب أفريقيا على استعماله مصدرًا للطاقة؛ إذ لا يزال إنتاج الفحم صناعة رئيسة، وظّفت، بدءا من عام 2021، ما يقرب من 93 ألف شخص، وأسهمت بمبلغ 480.9 مليار راند (26 مليارًا و449 مليون دولار) في الناتج المحلي الإجمالي لجنوب أفريقيا.
فقر الطاقة في جنوب أفريقيا
في الوقت الحالي، يعاني 43% من سكان جنوب أفريقيا فقر الطاقة؛ ما يعني أن نحو 25 مليون شخص لا يحصلون على ما يكفي من الكهرباء.
وترتبط محطات الكهرباء العاملة بالفحم في جنوب أفريقيا بأزمة الطاقة التي تعانيها البلاد، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وقد عجزت شركة إسكوم القابضة (Eskom Holdings)، وهي شركة الكهرباء الوطنية المملوكة للحكومة، التي تُنتج 90% من الكهرباء المستعملة في جنوب أفريقيا و30% من الكهرباء المُولّدة في القارة الأفريقية، عن مواكبة الطلب الوطني المتزايد على الكهرباء.

وقد تجاوزت محطات الكهرباء القديمة في جنوب أفريقيا حدود إمكاناتها؛ حيث تراجعت بشكل كبير.
وتُعد محطات الكهرباء الـ14 التابعة لشركة إسكوم التي تعمل بالفحم إما قديمة ولا تخضع للصيانة الكافية، وإما سيئة التصميم ولا تعمل بكامل قدرتها.
وبسبب هذه المشكلات، تعاني جنوب أفريقيا عجزًا يوميًا يتراوح بين 4 آلاف و6 آلاف ميغاواط، أي ما يعادل تقريبًا 10% من الاستهلاك الحالي.
التحول العالمي نحو اقتصاد منخفض الكربون
أدّى التحول العالمي نحو اقتصاد منخفض الكربون إلى زيادة التدقيق في الفحم؛ حيث أشار العديد من الدول الصناعية إلى آثاره البيئية والصحية الكبيرة بوصفه أحد أهم اهتماماتها.
بدورها، تدعم غرفة الطاقة الأفريقية (AEC) الفحم بوصفه جزءًا أساسيًا من مزيج الطاقة في أفريقيا.
وفي كلمته خلال مؤتمر النفط والغاز في جنوب أفريقيا 2025، الذي نظمه تحالف النفط والغاز في جنوب أفريقيا (SAOGA)، أكد الرئيس التنفيذي لغرفة الطاقة الأفريقية إن جيه أيوك، أنه لا يمكن التخلي عن الفحم، الذي يوفر سبيلًا للنمو الاقتصادي وأمن الطاقة.
وقال أيوك: “يجب ألا نعتذر أبدًا عن تسخير مواردنا من الوقود الأحفوري لدفع عجلة النمو وتحسين مستوى المعيشة”، مؤكدًا “الحاجة إلى تمويل الفحم وإطلاق العنان لإمكاناته لصالح أفريقيا”.
وأكد أنه بينما قد يدعو البعض إلى التحول السريع إلى مصادر الطاقة المتجددة؛ فمن المهم إدراك أن احتياجات أفريقيا من الطاقة فريدة.
وأضاف: “تتطلب قارتنا نهجًا متوازنًا يشمل جميع مصادر الطاقة، بما في ذلك الوقود الأحفوري”.
تصدير الغاز إلى أوروبا
قال الرئيس التنفيذي لغرفة الطاقة الأفريقية إن جيه أيوك: “تؤكد التطورات الأخيرة في ليبيا والجزائر، اللتين تُصدران كميات من الغاز إلى أوروبا أكثر من أي وقت مضى، أهمية مواردنا من النفط والغاز”.
في غضون ذلك، يبرز منتجون جدد في جميع أنحاء أفريقيا، وستبدأ مشروعات مثل خط أنابيب نفط شرق أفريقيا العمل قريبًا.

وسيُمثل خط الأنابيب، الذي يبلغ طوله 1443 كيلومترًا، مشروعًا للبنية التحتية يُحدث نقلة نوعية في شرق أفريقيا؛ إذ سيُمكّن من نقل 246 ألف برميل من النفط يوميًا، ويُهيئ المنطقة لزيادة مشاركتها في سوق الطاقة العالمية.
وأضاف أيوك: “يُعد مشروع غراند تورتو أحميم في موريتانيا والسنغال مثالًا على ازدهار قطاع الطاقة في أفريقيا”.
إمكانات النفط والغاز في منطقة أفريقيا الجنوبية
تتمتع منطقة أفريقيا الجنوبية على وجه الخصوص بإمكانات كبيرة من النفط والغاز، وفق تحديثات القطاع لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
فمع إنتاج يُقدر بنحو 6.7 مليون برميل من النفط يوميًا، وسط توقعات بإضافة مليوني برميل يوميًا خلال السنوات الـ5 المقبلة، من المرتقب أن تُصبح القارة لاعبًا متزايد الأهمية في مشهد الطاقة العالمي؛ حيث يُحفز نمو إنتاج النفط في منطقة أفريقيا الجنوبية التنمية الاقتصادية وفرص الاستثمار.
وأكد الرئيس التنفيذي لغرفة الطاقة الأفريقية إن جيه أيوك، أن اكتشافات النفط والغاز في أفريقيا لا تتحول تلقائيًا إلى إنتاج، مؤكدًا أن القطاع يحتاج إلى تمويل للانطلاق جنبًا إلى جنب مع تطوير البنية التحتية ودعم السياسات.
وأشار إلى أن التمويل الأميركي الأخير لموزمبيق يُعد خطوة مُرحّبًا بها في هذا الاتجاه.
وقد أعاد بنك التصدير والاستيراد الأميركي الموافقة على قرضه البالغ 4.7 مليار دولار أميركي لمشروع الغاز المُسال في موزمبيق هذا الشهر، وهو قرار يُعطي دفعةً مُلحّةً لأحد أهم استثمارات الطاقة في القارة.
وتمتلك موزمبيق احتياطيات ضخمةً من الغاز الطبيعي؛ حيث تُقدّر بنحو 65 تريليون قدم مكعبة من الغاز القابل للاستخراج.
ويتمتع مشروع الغاز المُسال في موزمبيق، الذي تقوده شركة توتال إنرجي (TotalEnergies)، بالقدرة على تحفيز الاقتصاد الموزمبيقي وتوفير مصدرٍ رئيس للغاز الطبيعي لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة في آسيا والأسواق العالمية الأخرى.
وقال أيوك: “إن التمويل الأخير من الولايات المتحدة الأميركية لموزمبيق خطوةٌ مُرحّبٌ بها، ونتوقع أن يُمهّد هذا الطريق لمشروعات مماثلة في القارة”.
وأكد ضرورة إعطاء قطاع الطاقة في أفريقيا الأولوية للقدرة التنافسية والمحتوى المحلي للحفاظ على مكانته في السوق العالمية.
موضوعات متعلقة..
- أمن الطاقة في أفريقيا.. البحث عن مزيج متوازن من المصادر المتجددة والتقليدية (تقرير)
- 4 شركات نفط تخصّص 500 مليون دولار لتعزيز أمن الطاقة في أفريقيا وآسيا
- أدنوك الإماراتية توسع استثماراتها في أفريقيا لتعزيز أمن الطاقة
اقرأ أيضًا..
- أنس الحجي: سياسات ترمب تجاه كندا متناقضة.. وهذا أثرها في أسواق النفط
- قطاع الكهرباء في سوريا يحتاج 40 مليار دولار.. ودولتان عربيتان في مقدمة الداعمين (حوار)
- حافلات الهيدروجين.. بديل متسرع ينهار في أوروبا (مقال)
المصادر..
- “ما يزال للفحم دورٌ مهمٌ في أفريقيا اليوم وغدًا” من غرفة الطاقة الأفريقية.
- “غرفة الطاقة الأفريقية: على أفريقيا تبني وقودها الأحفوري” من غرفة الطاقة الأفريقية.
إقرأ: أمن الطاقة في أفريقيا.. الوقود الأحفوري والمصادر المتجددة يلبيان احتياجات القارة (تقرير) على منصة الطاقة