الطاقة النووية في إيران.. المفاعلات المصنعة محليًا كلمة سر مرحلة التطوير الثالثة (مقال)
دخل تطوير الطاقة النووية في إيران مرحلته الثالثة مع التركيز على المفاعلات محلية الصنع وتوسيع القدرات النووية المدنية، بحسب رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي.
باستثمار 400 مليون دولار أميركي في أنشطة التعدين ودورة الوقود، خصصت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية أكثر من 4 مليارات دولار أميركي على مدى السنوات الـ3 المقبلة لدعم هذه المبادرة.
وتركز هذه المرحلة على تصميم وبناء وتشغيل مفاعلات بحثية وكهربائية محلية الصنع، بالإضافة إلى توسيع إنتاج الكعكة الصفراء (خام اليورانيوم المركّز) لدعم البنية التحتية المتنامية لمشروعات الطاقة النووية في إيران.
وعلى الرغم من أهميته الإستراتيجية؛ فإن برنامج الطاقة النووية في إيران يتعارض بشكل متزايد مع احتياجات البلاد الملحّة من الطاقة وتفاقم أزمة الكهرباء المحلية.
الاستعمالات المدنية والأهداف الإستراتيجية
يُزعم أن أهداف الطاقة طويلة الأجل وتوسيع الاستعمالات المدنية تحظى بأولوية قصوى بالمرحلة الثالثة من سياسة الطاقة النووية في إيران.
وفي إطار “مبادرة تيتراك”، سيتم إنتاج 68 منتجًا طبيًا نوويًا؛ بما في ذلك 20 مستحضرًا صيدلانيًا مشعًا، على نطاق أوسع لصالح قطاع الرعاية الصحية.
وبفضل معالجة 500 ألف طن سنويًا، يُسهم الإشعاع النووي في تقليل الهدر بالإنتاج الزراعي الوطني البالغ 130 مليون طن.
ويتمثل الهدف الإستراتيجي لإيران في إنتاج 20 ألف ميغاواط من كهرباء الطاقة النووية في إيران بحلول عام 2041.
وتعمل البلاد على تسريع بناء البنية التحتية؛ بما في ذلك منشآت جديدة في خوزستان وهرمزغان ومكران، وتعتزم مضاعفة قدرتها 3 مرات لتصل إلى 3 آلاف ميغاواط بحلول عام 2027.
من ناحيتها، تُنتج محطة بوشهر النووية حاليًا 7 مليارات كيلوواط/ساعة سنويًا.

وتركز هذه المساعي على مشروعات مثل محطة كارون ووحدتي بوشهر 2 و3، التي من المتوقع أن يوفر كل منها مليار يورو (1.14 مليار دولار) من نفقات الوقود الأحفوري سنويًا بفضل مفاعلها الذي تبلغ قدرته 1000 ميغاواط.
نحو الاكتفاء الذاتي: تطوير التكنولوجيا ودورة الوقود
تكثف إيران جهودها لتوطين تصميم وتصنيع المفاعلات، وهي خطوة تهدف ظاهريًا إلى تقليل الاعتماد على الخارج، ولكنها تحد من الرقابة الخارجية.
وتشرف شركات محلية متخصصة الآن على بناء المفاعلات النووية وتشغيلها، كما أصبحت نماذج أجهزة الطرد المركزي المتطورة، مثل آي آر- 2 إم وآي آر- 4 وآي آر- 6، القادرة على تخصيب اليورانيوم بمعدلات أسرع، محورية في البرنامج.
في الوقت نفسه، تعمل إيران على تكثيف إنتاج الكعكة الصفراء لتأمين المرحلة الأولى من دورة الوقود النووي، ويثير مخزونها المتزايد من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% مخاوف بشأن قدرتها على إنتاج وقود المفاعلات بسرعة، أو ربما مواد صالحة للاستعمال في الأسلحة، في حال تغيرت القرارات السياسية.
وعلى الرغم من العقوبات الشديدة؛ فقد سعت طهران إلى إيجاد مسارات تمويل مبتكرة، بما في ذلك أسواق رأس المال ومشاركة مبدئية من القطاع الخاص، لتطوير بنيتها التحتية من منشآت الطاقة النووية في إيران.
وتروج السلطات لتوفير متوقع قدره مليار يورو (1.14 مليار دولار) لكل مفاعل من خلال خفض واردات الوقود الأحفوري بوصفه مبررًا.
تجاوز أهداف الطاقة المدنية
يشير التركيز على الاستقلالية المحلية والقدرات ذات الاستعمال المزدوج إلى دوافع إستراتيجية تتجاوز أهداف الطاقة المدنية.
وتُشكل جدوى الأهداف طويلة المدى عقبة كبيرة أمام إستراتيجية الطاقة النووية في إيران.

وسيكون بناء نحو 25 وحدة نووية بحجم محطة بوشهر ضروريًا لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، وهو أمر غير محتمل بالنظر إلى أن الوحدة الأولى استغرقت ما يقرب من 25 عامًا لإكمالها.
ودون تغيير كبير في النهج؛ فإن هدف إيران لعام 2041 يفقد مصداقيته بسبب القيود اللوجستية والمالية والتقنية، بالإضافة إلى بطء التنفيذ.
وعلى الرغم من امتلاكها أكثر من 300 يوم مشمس سنويًا وموارد وفيرة من الرياح؛ فإن إيران لا تستغل إمكاناتها الكبيرة من الطاقة المتجددة بشكل كافٍ.
وبسبب العوائق التشريعية، وعدم كفاية البنية التحتية للشبكة، والأولويات المؤسسية المحدودة، لا تزال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تشكلان جزءًا صغيرًا من مزيج الطاقة، على الرغم من كونهما أيسر تكلفة وأسرع انتشارًا.
لذلك، يمكن تقليل الاعتماد على مشروعات الطاقة النووية في إيران باهظة الثمن وطويلة الأجل وتخفيف أزمة الكهرباء من خلال خطة طاقة أكثر توازنًا تشمل المصادر المتجددة.
السياق الأوسع: أزمة الكهرباء في إيران
تعاني إيران أزمة كهرباء متفاقمة، تتسم بانقطاعات متكررة للتيار الكهربائي، وتقنين في توزيعه، وتزايد في استياء الرأي العام.
ومنذ بداية عام 2025، أدّت الانقطاعات التي استمرت من 3 إلى 4 ساعات يوميًا -بما في ذلك انقطاعات متواصلة لمدة 90 دقيقة في مدن رئيسة مثل طهران- إلى عرقلة شديدة للحياة اليومية والعمليات الصناعية.
وقد تسبب نقص الكهرباء، الذي يُقدر بما يتراوح بين 25 ألفًا و32 ألف ميغاواط (ما يعادل نحو 35-45% من الطلب الوطني)، في خسائر اقتصادية تتجاوز 44 تريليون تومان (1.1 مليار دولار) في عام 2024.
وتشمل العوامل المساهمة نقص الوقود المستمر في محطات الكهرباء، وشبكة نقل قديمة مع خسائر تصل إلى 13%، وقطاع طاقة مُسيّس تهيمن عليه جهات مثل الحرس الثوري الإسلامي، الذي غالبًا ما يُعطي الأولوية لصادرات الطاقة على الاحتياجات المحلية.
وفي الوقت نفسه، توفر محطة بوشهر النووية 1% فقط من احتياجات البلاد من الكهرباء، وهو ما يسلط الضوء على الفوائد المباشرة المحدودة للجهود النووية الإيرانية.
تكاليف الفرص البديلة والاختلال الإستراتيجي
على الرغم من تفاقم أزمة الكهرباء؛ فإنه يتواصل التركيز على الإنجازات الرمزية ببرنامج الطاقة النووية في إيران، بدلًا من السعي إلى حلول عملية وفورية للطاقة.
بدورها، تُسهم المصادر المتجددة -على الرغم من تكلفتها المعقولة وإمكان انتشارها السريع- بأقل من 1% من مزيج الطاقة الوطني، في حين لا تزال الطاقة النووية تُهيمن على استثمارات الدولة وتركيز السياسات.
ويُسلط هذا الاختلال الضوء على فجوة أوسع في إستراتيجية الطاقة الإيرانية؛ حيث تُلقي الأهداف الجيوسياسية طويلة المدى بظلالها باستمرار على الاحتياجات المحلية المُلحة.
وما يُفاقم المشكلة أن العقوبات الدولية عاقت بشدة تطوير الطاقة في إيران.
ومنذ عام 2012، واجهت البلاد خسائر اقتصادية تُقدر بنحو تريليوني دولار بسبب القيود المفروضة على قطاعات البنوك والشحن والطاقة.
وقد أدت هذه العقوبات إلى خنق الاستثمار الأجنبي، ومنع الوصول إلى التقنيات المتقدمة، وفرض الاعتماد على التمويل المحلي غير الفعال.
وعلى الرغم من تخصيص 4 مليارات دولار لتطوير الطاقة النووية في إيران؛ فإن التقدم لا يزال بطيئًا.
وتمنع العقوبات المفروضة على نقل التكنولوجيا الترقيات الأساسية -مثل تلك اللازمة في محطة بوشهر- في حين تظل مشاركة القطاع الخاص محدودة بسبب المخاوف من العقوبات الثانوية.
الردع النووي وغموض الإستراتيجيات
دأب المسؤولون الإيرانيون على الادعاء بأن البرنامج النووي للبلاد يخدم أغراض أمن الطاقة، إلا أن النوايا الحقيقية وراء هذه الإستراتيجية المزدوجة لا تزال غامضة.
ويكمن جوهر هذا النهج في مفهوم “القدرة الكامنة”، أي القدرة على تطوير أسلحة نووية بسرعة دون تجاوز العتبة النووية رسميًا.
ويتحقق ذلك بفضل معرفة إيران المتقدمة بدورة الوقود النووي ومخزونها البالغ 275 كيلوغرامًا من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، ما يثير تساؤلات حول النطاق الحقيقي لطموحات الطاقة النووية في إيران.
تقول طهران إن البرنامج حق سيادي وضرورة دفاعية في آن واحد؛ إلا أن إستراتيجيتها المتمثلة في توزيع مواقع أجهزة الطرد المركزي وتعزيز البنية التحتية الحيوية قد توحي باستعدادها لشيء يتجاوز بكثير توليد الكهرباء السلمي.
في موازاة ذلك، تسعى إيران إلى ترسيخ مكانتها مصدرًا شرعيًا للتكنولوجيا النووية، مستغلةً علاقاتها مع روسيا والصين -المعروفتين باستعدادهما لتجاوز العقوبات الدولية- لتعزيز برنامجها النووي تحت ستار النوايا السلمية.

على الرغم من تصدرها عناوين الأخبار؛ فإن التوسع النووي الإيراني تعوقه بشدة العقوبات التي تمنع الوصول إلى التمويل والتكنولوجيا المتقدمة.
وبعد أكثر من عقدين، لم يعمل سوى مفاعل بوشهر بقدرة 1000 ميغاواط، ويظل هدف 20 ألف ميغاواط لعام 2041 طموحًا في ظل التضخم ومشكلات سلسلة التوريد.
في الوقت نفسه، لا تزال إمكانات إيران الهائلة في مجال الطاقة المتجددة غير مستغلة بالكامل بسبب عدم كفاءة الشبكة وعدم توافق أولويات الاستثمار؛ ما يُفاقم الإحباط العام والخسائر الاقتصادية.
وتواجه القوى الغربية تضييقًا في نافذة الدبلوماسية مع اقتراب انتهاء صلاحية خطة العمل الشاملة المشتركة وعودة العقوبات.
وعلى الرغم من أن العقوبات أبطأت التقدم؛ فإنها قد تدفع إيران نحو التسلح.
ولم تُسفر عمليات التخريب السرية وقيود التصدير إلا عن نتائج محدودة، كما أن البنية التحتية الإيرانية المُعززة تُعقّد الخيارات العسكرية، ما يمنح طهران نفوذًا في المفاوضات.
الخلاصة: نحو مستقبل مستدام للطاقة
رغم الفوائد الجيوسياسية المحتملة طويلة الأجل لتبني الطاقة النووية في إيران؛ فما تزال الدولة تواجه نقصًا حادًا في الكهرباء؛ إذ يتراوح العجز بين 25 ألفًا و32 ألف ميغاواط؛ ما يؤدي إلى انقطاعات واسعة النطاق وترشيد استهلاك الكهرباء.
ويُبرز الإنتاج المحدود لمحطة بوشهر عدم التوافق بين أهداف إيران النووية الطموحة وحاجتها الملحة إلى كهرباء موثوقة.
ونتيجة للاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري وعدم استغلال موارد الطاقة المتجددة بشكل كافٍ، تتسع الفجوة بين طموحات البلاد النووية ومتطلباتها العاجلة من الطاقة.
ولمعالجة أزمة الطاقة وتحقيق أهدافها المستقبلية، يجب على إيران إعطاء الأولوية لتحديث شبكة الكهرباء والاستثمار بشكل كبير في مصادر الطاقة المتجددة.
ويُعد تحسين شبكة الكهرباء لتقليل خسائر النقل وتعزيز الكفاءة أمرًا بالغ الأهمية، في حين تُوفر زيادة الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة حلًا أكثر استدامة وفاعلية من حيث التكلفة.
ومن شأن هذا النهج أن يُقلل من اعتماد إيران على الوقود الأحفوري المستورد، ويُخفّف الأعباء المالية، ويُوفّر حلًا أسرع لأزمة الطاقة مُقارنةً بالتوسع النووي الذي يتطلّب استثماراتٍ واسعة النطاق وتقنياتٍ مُتطوّرة.
بالتركيز على مصادر الطاقة المُتجدّدة، يُمكن لإيران بناء قطاع طاقة أكثر أمنًا واستقرارًا وصديقًا للبيئة.
وتتمثل الإستراتيجية الأكثر فاعليةً لاستقرار وضع الطاقة في إيران وتخفيف التوترات الإقليمية في اعتماد خطة طاقة مُتنوّعة إلى جانب دبلوماسيةٍ منفتحة.
ويُمكن أن يُساعد التعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين في رفع العقوبات، وتعزيز الوصول إلى تقنيات الطاقة المُتجدّدة المُتقدّمة، والحدّ من العزلة التي تعوق تطوير الطاقة.
ومن خلال مُوازنة طموحات الطاقة النووية في إيران مع الحلول العملية للطاقة المُتجدّدة وتعزيز التعاون الدولي، يُمكن لطهران مُعالجة انعدام أمن الطاقة لديها والمساهمة في تعزيز الاستقرار الإقليمي.
ومن شأن اتباع نهجٍ أكثر شموليةً لخطط الطاقة أن يُمكّن إيران من تلبية احتياجاتها المحلية والسعي إلى تحقيق طموحاتها الإستراتيجية طويلة المدى دون تصعيد التوترات الإقليمية.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب “دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001”.
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- خبير: خطط الطاقة النووية في إيران طموحة.. وهذه تطورات البرنامج السعودي (صوت)
- خطة ضخمة للاستفادة من الطاقة النووية في إيران
- وزير النفط الإيراني وناقلات الظل في مرمى عقوبات أميركا المشددة.. ما التبعات؟ (مقال)
اقرأ أيضًا..
- صادرات الغاز المسال الأميركية تحقّق قفزة تاريخية.. ودولة عربية ضمن كبار المستوردين
- أكبر سفينة تكسير مائي في العالم.. إمكانات متطورة لدعم حقول النفط البحرية
- مسؤول: مشروعات الطاقة المتجددة في مصر تجذب المستثمرين (حوار)
إقرأ: الطاقة النووية في إيران.. المفاعلات المصنعة محليًا كلمة سر مرحلة التطوير الثالثة (مقال) على منصة الطاقة