إيران تتلاعب بالعراق.. تفاصيل تكشف المستور في أزمة الغاز (مقال 2/2)
“إيران تتلاعب بالعراق”.. كان هذا عنوان الجزء الأول من مقالنا في الثاني والعشرين من ديسمبر/كانون الأول 2024، حينما طرحنا تفاصيل ومعلومات دقيقة حول أزمة الغاز التي تعاني منها بغداد، ودور إيران في تفاقم الأزمة.
وقتها، تحدّثنا عن تطورات الأزمة، وحقيقة قطع طهران إمدادات الغاز عن العراق، بداعي “أعمال صيانة” كما ذكرت بغداد حينها، لكن الحقيقة هي حاجة إيران للغاز، نظرًا لارتفاع الطلب المحلي، تزامنًا مع انخفاض شديد بدرجات الحرارة.
اليوم نعود لاستكمال هذه القصة، نطرح هنا أحدث التطورات، مصحوبة بمعلومات خاصة ودقيقة تكشف المستور في هذه الأزمة، التي يدفع ثمنها المواطن العراقي، دون أن تحرِّك حكومة شياع السوداني ساكنًا لسرعة إيجاد حلول، تعيد الكهرباء التي لا توفرها سوى لبضع ساعات يوميًا.
في الرابع والعشرين من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2024، استيقظ العراقيون على نبأ قطع إيران إمدادات الغاز لمدة 15 يومًا فقط، نظرًا لأعمال صيانة”.. هكذا أعلنت وزارة الكهرباء العراقية، وأكدت لنا في منصة الطاقة أن الجانب الإيراني لم يبلِّغها سوى بذلك، وأن الأمر لا علاقة له بزيادة الطلب على الغاز في إيران.
مرّت 15 يومًا ولم تعد إمدادات الغاز، فخرجت وزارة الكهرباء العراقية لتعلن من جديد أن القطع سيستمر 15 يومًا أخرى، وأن المنظومة فقدت 8 آلاف ميغاواط لهذا السبب، وأن البديل سيكون برمجة قطع الكهرباء، خاصة عن المنطقتين الجنوبية والوسطى.
ماذا حدث بعدها..؟
مرّت 15 يومًا أخرى واستمر قطع الغاز، بل مرّ شهر كامل، لتصبح المحصّلة 66 يومًا، وتستمر معاناة المواطنين الذين يعتمد أغلبهم على مولدات الديزل والبنزين، وبعضهم يعتمد على محطات الطاقة الشمسية المنزلية ذات التكلفة المرتفعة.
تخلَّل هذه المدة زيارة أجراها رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني إلى إيران، للقاء الرئيس مسعود بزشكيان، في السابع من يناير/كانون الثاني الماضي، لمناقشة عدّة موضوعات، على رأسها عودة ضخ الغاز، لكن “السوداني” فشل في الحصول على مجرد “وعد” باستئناف الضخ.
بعدها بـ5 أيام، وتحديدًا في الثاني عشر من يناير/كانون الثاني، استقبل وزير الكهرباء العراقي زياد علي فاضل، وزير الطاقة الإيراني عباس علي آبادي، وحاول معه سرعة حل الأزمة، لكنه هو الآخر “فشل” في الحصول على أيّ وعد بمعاودة ضخ الغاز، واكتفى البيان الرسمي الصادر عن الوزارة بأن “العراق طالب إيران بالالتزام ببنود العقد المُبرَم بينهما”.
تقول مصادر مطّلعة على هذا الملف، إلى منصة الطاقة المتخصصة: إن “رئيس الوزراء العراقي، ووزير الكهرباء، لم ينجحا في الحصول على وعود من إيران باستئناف الضخ، لكن الجانب الإيراني صرّح لهما بأنه يحتاج إلى الغاز للاستهلاك المحلي، وتعاني السوق من نقص الوقود”.
وأضافت المصادر أن إيران أبلغت العراق بأنه حينما يتحسّن الوضع الداخلي، وينخفض الطلب، سيعاود وقتها ضخ الغاز بشكل طبيعي للعراق.
ماذا فعلت إيران مع تركيا؟
ما يؤكد سردية تلاعب إيران بالعراق هو استمرار طهران في ضخ الغاز إلى تركيا بمعدلاته الطبيعية دون أيّ قطع أو نقص في الأحجام التعاقدية.
تقول مصادرنا: “إن العراق لم يتوقع عدم التزام إيران، وكان يثق كثيرًا أن الضخ سيعود بحدّ أقصى منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، ثم فوجئنا أنهم لم يقطعوا الغاز عن تركيا، بل حينما تحسَّن الطقس منذ بداية يناير/كانون الأول الماضي، وأيضًا ارتفع إنتاج الغاز المحلي في إيران، لم يعيدوا لنا ضخ الغاز”.
المثير للدهشة هنا، أن العراق يتوقع استمرار قطع الغاز إلى بداية الصيف المقبل، وفي أفضل الاحتمالات إذا عاد الضخ قبلها فإنه لن يتجاوز 10 ملايين متر مكعب يوميًا، مقارنة بـ25 مليون متر مكعب تعاقدت عليها بغداد، وهذا يعني فقدان منظومة الكهرباء نحو 4 آلاف و200 ميغاواط تقريبًا، حسب مصادرنا.
وجدير بالذكر أن التعاقد الأصلي بين البلدين كان ينص على تصدير 50 مليون متر مكعب غاز في الشتاء، و70 مليونًا في الصيف، لكن كالمعتاد لم تلتزم إيران، ولا توجد وسائل ضغط في يد العراق.
الغاز التركمانستاني إلى العراق
في خضم هذه الأزمة، يظهر حل الغاز التركمانستاني إلى العراق، الذي تروّج له بغداد أنه أحد الحلول المهمة لاستبداله بالغاز الإيراني مستقبلًا.. لكن متى ذلك، وأين الحقيقة؟
في تصريحاته يوم الأربعاء 29 يناير/كانون الثاني 2025، قال وزير الكهرباء العراقي زياد علي فاضل، إن الغاز التركمانستاني سيكون أحد الحلول المهمة في صيف هذا العام.
الحقيقة مغايرة تمامًا لما قاله الوزير، إذ إنّ ضخ الغاز التركمانستاني يتطلب أولًا التعاقد مع شركة وسيطة لنقل هذا الغاز عبر إيران، التي غالبًا ستكون شركة الغاز الإيرانية، ثم لا بد من إجراءات تعاقدية وترتيبات مالية عراقية، وهذا في حدّ ذاته سيستغرق نحو 8 أشهر من الآن، في أفضل تقدير، وإذا سارت الأمور بجدّيّة.
هذا معناه أن بداية الضخ لن تكون قبل 1 سبتمبر/أيلول المقبل.. لكن هل هذا سينهي الأزمة أو جزء منها؟.. الحقيقة لا، وإطلاقًا، لأن التعاقد بين العراق وتركمانستان ينصّ على تصدير 20 مليون متر مكعب غاز يوميًا إلى بغداد، أي إنها ستوفر في حدود 4 آلاف ميغاواط فقط، وباحتساب عودة ضخ الغاز الإيراني بأقصى معدل، فإن المنظومة العراقية سيكون لديها عجز في حدود 26 ألف ميغاواط.
ما الحل إذًا؟
الحل هو أولًا ضرورة أن يعي المسؤولون العراقيون أن إيران تتلاعب ببغداد وأمنها الطاقي، وأنها غير أمينة في تعاقداتها، ولا بد من إلغاء التعاقد فورًا، والبحث في حلول على المديين القصير وطويل الأجل.
الحلول قصيرة الأجل هي:
- تشجيع إقامة محطات طاقة شمسية منزلية، وتقديم تسهيلات بنكية وقروض للمواطنين.
- الاستعانة بمحطات كهرباء عائمة (مثل البارجة التركية كارباورشيب) ستوفر جزءًا كبيرًا من إمدادات الكهرباء.
- تحويل عدد من محطات الكهرباء للعمل بالنفط الأسود أو الديزل الأحمر (رغم التأثيرات البيئية الكبيرة بالطبع للنوعين).
حلول طويلة الأجل:
- سرعة إقامة البنية التحتية اللازمة في ميناء الفاو الكبير، تمهيدًا لاستيراد الغاز المسال القطري، وفقًا لتعاقد سابق بين البلدين.
- الدفع قدمًا نحو تنفيذ مشروعات الطاقة الشمسية مع شركتي توتال إنرجي الفرنسية، وأكوا باور السعودية، ومصدر الإماراتية، وهذا من شأنه ضخ 3 آلاف ميغاواط إلى منظومة الكهرباء خلال 3 أعوام بحدّ أقصى.
*عبدالرحمن صلاح، مدير تحرير منصة الطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- أزمة الكهرباء في العراق.. إيران تتلاعب ببغداد وهذه هي الأدلة (مقال)
- ماذا تعرف عن ثاني أكبر منتج للنفط في أوبك؟
- الكهرباء في العراق تواجه عجزًا بـ26 ألف ميغاواط.. و4 حلول للأزمة
نرشح لكم..
- تقارير وتغطيات خاصة من وحدة أبحاث الطاقة.
- موسوعة الطاقة وكل مفاهيم النفط والغاز وقطاع الطاقة.
- مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية في 2024 (ملف خاص)
إقرأ: إيران تتلاعب بالعراق.. تفاصيل تكشف المستور في أزمة الغاز (مقال 2/2) على منصة الطاقة